Click Here For English Menu 

 

 

 

 

 

http://www.libyanconstitutionalunion.net  

&

http://www.lcu-libya.co.uk

 

 

 

هجرة اليهود من ليبيا كما وردت في الوثائق

 

 

الجزء الأول :

 عناصر خارجية افتعلت الاضطرابات أم ردة فعل على حوادث فلسطين
   

الجزء الثاني :

بدأت الاضطرابات بمشادّة بين عربي ويهودي وانتقلت إلى الأحياء الشعبية

 

 

الجزء الثالث:

 تقارير الشرطة اكدت وجود اتصالات شجعت اليهود على الشغب

 

 

ملحق للمقال:

مقتطفات من كتاب "أنبياء في بابل : يهود في العالم العربي"
   
  أوجه الشبه بين حالة يهود ليبيا ويهود العراق

 

الأطماع الصهيونية في ليبيا تعود الى ماقبل أكثر من مائة عام

 

 
هجرة اليهود الى فلسطين وقصة الوطن البديل

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

من اصدارات الاتحاد الدستوري الليبي

هجرة اليهود من ليبيا كما وردت في الوثائق

( نشرت هذه النسخة الالكترونية على الانترنت بتاريخ 29 يناير 2010* )

 

إلحاقاً بالمقال التوثيقي الذي أعدنا نشره على الانترنت الأسبوع الماضي، والذي تناول أحداث يناير 1964 كما وردت في الوثائق الرسمية للحكومة البريطانية، ننشر اليوم مقالا وثائقياً ثانياً على نفس القدر من الأهمية، يتناول قضية مهمة لم تنل قدرها من التغطية الموضوعية أو التحليل المجرّد، نعدّها في تقديرنا أحد أهم العوامل التي ساهمت ليس فقط في إنهاء الحكم الملكي في ليبيا واقتلاع التجربة الدستورية الوليدة في ليبيا من جذورها فقط، بل وفي تحديد نوعية النظام البديل له [1] من قِبل أصحاب النفوذ الذين يتحكمون في مصائر دول منطقتنا البائسة ويحركون أدواتها كما تُحرّك البيادق على رقعة الشطرنج.

هذا المقال يتناول قضية اليهود الليبيين والأحداث التي أدت إلى هجرتهم من ليبيا. وقد نشرنا هذا المقال أيضاً في جريدة "الحياة" اللندنية في أغسطس 1997 في ثلاثة أجزاء بعد أن رصدنا بدايات ظهور هذه القضية على السطح من قِبل جهات يهودية عالمية قدّرنا وقتها أنها تسعى لملء الساحة بمعلومات حول هذه القضية موجهة و منتقاة بعناية تمهيداً لأجندةٍ ما ! ولم يكن متوفراً في ذلك الوقت معلومات –موثّقة ومحايدة- يمكن الاعتماد عليها في التصدي لتلك الحملة التي لم تتضح مآربها إلا بعد عقد من الزمان تقريباً. فلم يكن متوفراً –وقتئذ- إلا روايات شفهية تفتقر إلى الدقة، تلونها - في الغالب- العواطف، ولا يمكنها أن تصمد أمام تلك الحملات التي التي يتمّ في العادة التحضير لها بعناية وحرفية فائقة.

وقد لجأنا إلى صحيفة "الحياة" - فلم تكن تقنية الأنترنت متيسرة في ذلك الوقت - لتقديم الحقائق والمعلومات المتعلقة بهذه القضية الشائكة من خلال منبر واسع الانتشار لا يقتصر على المحيط الليبي فقط.

وقد استند المقال على مصادر–مكتوبة- شتّى، وإن اعتمد جُلّها على الوثائق الرسمية للحكومة البريطانية، التي كانت مسئولة عن إدارة شئون ليبيا في الفترة مابين إنهاء الإحتلال الايطالي للبلاد ونيل الإستقلال التام.

وغرضنا من إعادة نشر هذا المقال الهام هو توفير نسخة ألكترونية –مطبوعة- تسهل قراءتها وطباعتها ونسخها والاقتباس منها لإضافتها إلى النسخة المصورة (سكانر) المنشورة على موقع أرشيف الاتحاد الدستوري الليبي، وذلك مساهمة منّا في إثراء هذه القضية الحساسة بالمعلومات الصحيحة التي تساعد على اتخاذ المواقف الصحيحة والعادلة منها بعيداً عن التشنج أو التضليل.

وقد أضفنا اليه بعض الصور التي قدمناها في وقتها للصحيفة، ولكن ضيق المساحة حال دون نشرها، وكذلك صور لبعض الوثائق التي استند عليها المقال.

 

 ***   ***   ***

الجزء الأول:

هجرة اليهود من ليبيا كما وردت في الوثائق (1 من 3)

 

عناصر خارجية افتعلت الاضطرابات أم ردة فعل على حوادث فلسطين

 

"الحيـاة" : 21 أيلول (سبتمبر) 1997 الموافق 20 جمادي الأولى 1418 هـ (العدد رقم : 12623)

 

محمد بن غلبون

 

 

 

توطئة صحيفة "الحياة" للمقال:

"نشرت صحيفة "هيرالد تريبيون" في تموز (يوليو) الماضي مقالاً للمدير التنفيذي للجمعية اليهودية-الأمريكية في نيويورك ديفيد هاريس تناول فيه مشاكل اليهود في الدول المغاربية في نهاية الأربعينات وتوقف أمام الاضطرابات التي وقعت في طرابلس الغرب في السنوات بين 1945 و 1949.

ورد الكاتب الليبي المعارض فاضل المسعودي على مقال هاريس في "الحياة" بتاريخ أول آب (أغسطس) الماضي أوضح فيه انسجام العلاقات بين المواطنين الليبيين ودور الجهات الأجنبية (الصهيونية) في اثارة القلاقل لخدمة المشروع الاستيطاني في فلسطين.

وننشر اليوم وعلى حلقات ثلاث دراسة توثيقية أعدها الاستاذ محمد بن غلبون لتوضيح صورة الموقف آنذاك استندت على روايات الشهود كما وردت في تقارير الشرطة والقنصل البريطاني. وهنا الحلقة الأولى" (انتهت توطئة الصحيفة)

 ***   ***   *** 

بدأت في الآونة الأخيرة حملة اعلامية لفرض قضية يهود ليبيا على الأحداث، وانه لمن العبط ان نظن ان ذلك لمجرد الحوارومناقشة الموضوع وتبادل وجهات النظر حوله .

ولقد سبق وان تطرقت باقتضاب لهذه القضية على صفحات "الحياة" بتاريخ 19 أذار (مارس) 1995، في العدد رقم11705  

وقبل ان ندلل قريبا - على العلاقة المباشرة بين نكبة يهود ليبيا في سنة 1967، واختيار نوع البديل للنظام الملكي بها يجب ان نستعرض الاحداث والوقائع  بطريقة موضوعية وصريحة، مستندين على مصادر متنوعة حيث ان هذه القضية لم تعرض لحد الان الا من وجهة النظراليهودية .

 

لقد تمتعت الطائفة اليهودية الليبية بالاستقرار والامان والاطمئنان لعدة قرون حتى بدأت اصداء ما يحدث في فلسطين  تصل الى ليبيا .

يقول بعض اليهود ان مخربين من دول عربية عملوا على استعداء المسلمين ضد اليهود في ليبيا بدافع الحقد والانتقام. و يقول بعض الليبيين ان نشاط المنظمات الصهيونية العالمية بين الطائفة اليهودية هو المسؤول عن اشعال نار الفتنة.

وقد بدأت سلسلة الأحداث التي أدت في عام 1967 الى إنهاء الوجود اليهودي في ليبيا في الرابع من نوفمبر عام 1945، وليبيا ماتزال آنذاك تحت الوصاية البريطانية بعد ان طُرد الايطاليون منها واصبح مصيرها يتأرجح بين أروقة الامم المتحدة ومطامع الدول الكبرى التي كانت تسعى الى تقسيمها.

 

ان الوثائق التالية تؤرخ لتلك الاحداث، وقد جمعتها من تقارير صحافية ومن محاضر مجلس العموم البريطاني. كما استعنت ايضا بمراسلات تمت بين المجلس العالمي لليهود ووزارتي الحرب والخارجية البريطانية:

 

 ***   ***   ***

الوثيقة الأولى:

مقتطفات من جريدة "جويش كرونيكل" الصادرة في 16 نوفمبر 1945

 

"تجددت الاضطرابات واعمال العنف والقتل والحرق التي قام بها العرب ضد اليهود في طرابلس يوم الاحد الماضي، والتي كما نقلنا باختصار في عددنا الاخير، أدت الى مقتل 74 يهوديا، يوم الثلاثاء في "جنزور" حيث قُتل 30 يهوديا من بينهم اطفال. كما قتل 6 يهود اخرين في منطقة "الزاوية" عندما اطلق الجنود (البريطانيون) الرصاص، وقتل يهوديان بالقرب من "القصبات".

وبذلك يبلغ عدد القتلى من اليهود اكثر من 100 شخص و 219 جريح في هذه الاضطرابات التي حرضت عليها وقامت بتنفيذها عناصر عربية مخربة. كما قتل عربي واحد وجرح 36 اخرون.

هذا وقد تعرضت حارات اليهود في كل من منطقة "سوق الجمعة"  و"تاجوراء" بالقرب من طرابلس الى السرقات وعمليات التخريب. اما في "جنزور" فقد هاجم العرب الحي اليهودي واضرموا النيران في الكنيس وبعض المنازل، ونهبوا ممتلكات اليهود.

تسلمت الادارة البريطانية زمام الامور في طرابلس، وباشرت باتخاذ اجراءات صارمة لقمع هذه الاضطرابات. وقد تم نشر دوريات مكثفة من قوات الجيش (البريطاني) والشرطة، واعطيت الاوامر بقتل من يقومون باعمال السطو والسرقة، وكذلك باطلاق الرصاص، ان دعى الامر، لتفريق التجمعات الاكثر من 5 اشخاص. وقد تم اعتقال 550 متظاهرا من بينهم 17 من الزعماء العرب .

تم بعث برقية مواساة ومؤازرة من الـ "ييشوف" (الجماعات اليهودية في فلسطين قبل اعلان دولة اسرائيل) الى السيد "زانكينو حبيب" رئيس الطائفة اليهودية في طرابلس، ارسلها نيابة عن الـ "فاد ليئومي" الرئيس "اسحاق بن زيبي" جاء فيها : "لقد روعت هذه المذبحة الرهيبة الييشوف. ان تضحياتكم دليل جديد على المصير المرير الذي يهدد الاقليات اليهودية في الاقطار المجاورة. تحلوا بالصبر والشجاعة. وارفعوا انظاركم صوب صهيون من حيث سيأتي خلاص اسرائيل".

وقد بدأت محاكمة بعض المعتقلين امام محكمة عسكرية بريطانية في طرابلس يوم الجمعة الماضي. كما صدر بيان رسمي جاء فيه : "ان حالة الهدوء عادت لطرابلس، ولكن عدد من العناصر اللامسؤولة لم تكف عن نشاطها بالكامل. واضاف ان مراسم دفن القتلى اليهود تمت بسلام .

وفي سياق ادانته لاعمال الشغب، وصف مفتي طرابلس هذه الاضطرابات بانها مؤسفة ومشينة. ووجه نداءا للسكان العرب للالتزام بالهدوء والعودة الى العلاقات الودية التي ربطت بين العرب واليهود في السابق". [انتهى الاقتباس من الوثيقة الأولى].

 

حارة اليهود في طرابلس تتزين لاستقبال موسوليني (1937)

 

 ***   ***   ***

الوثيقة الثانية:

من محاضر مجلس العموم البريطاني ليوم 27 نوفمبر 1945

 

 

 

·                  "وجه الميجور "رينتون" سؤالا لوزير الدفاع حول نيته في تقديم بيان لتوضيح الحقائق المتعلقة بالاضطرابات التي وقعت مؤخرا في ولاية طرابلس، وتحديد اماكن وقوعها والاسباب التي ادت اليها. كذلك الخطوات التي تم اتخاذها لتفادي تكررها في المستقبل .

·                  وقد جاء رد الوزير، السيد "لوسون" كالتالي :

"لقد عاشت الطائفة اليهودية في طرابلس مستمتعة بعلاقات طيبة مع العرب منذ عدة قرون. وبالرغم من تصاعد حدة التوتر السياسي في تلك البلاد، بسبب غموض مستقبلها، لم يكن هنالك ما يدعو لتوقع حدوث انفجار ضد اليهود. وقد جاء هذا الانفجار كرد فعل تلقائي لهيجان مماثل في مصر بسبب الوضع في فلسطين. كما اشارت الادلة لاحقا الى ضلوع متطرفين عرب في التحريض عليه.

بدأت الاضطرابات، اولا، في مدينة طرابلس ليلة الرابع /الخامس من نوفمبر في صورة اعمال عنف غوغائي تمت السيطرة عليه من قبل الحامية (البريطانية ) قبل حلول الليلة الثانية. إلا ان الشغب تفاقم بسبب الفوضى والسرقات ثم امتد الى الضواحي والمدن المجاورة، مثل جنزور والقصبات وزليطن والزاوية، على شكل حوادث متفرقة وفي اماكن متباعدة تضمنت عمليات حرق متعمد واعتداءات على الاشخاص والمنازل من قبل افراد وجماعات صغيرة من العرب، مما ادى الى صعوبة السيطرة عليها بسرعة.

بحلول يوم الثامن من نوفمبر عاد الهدوء التام من جديد، وقد تم اعتقال 575 شخصا بدأت محاكمتهم في نفس اليوم. كما تم ارسال قوات حكومية اضافية الى طرابلس وفرض نظام حظر التجول .

وقد قُرأت خطب تشجب المتطرفين في جميع مساجد ولاية طرابلس، وصدرت بيانات ادانة مماثلة عن امين الجامعة العربية والسيد ادريس السنوسي. كما ساهم العرب في منظمة اغاثة تطوعية لصالح اليهود". [انتهى الاقتباس من الوثيقة الثانية].

 

صورة طالبات المعهد النسائي اليهودي التابع لمدرسة "مارجاريتا دي سافويا" في طرابلس

 

 ***   ***   ***

 

الوثيقة الثالثة:

من محاضر مجلس العموم البريطاني  ليوم 18 ديسمبر 1945

 

 

 

 

·                    "وجه عضو البرلمان السيد "ج. بورتر" سؤالا الى وزير الحرب عن مدى علمه بموقف الزعامات الوطنية الليبية عقب مذبحة طرابلس الاخيرة، والمتمثل في رفضهم الالتزام بالنظام مالم تلبى طلباتهم الثلاثة الاتية :

أ) عزل السرية الفلسطينية (سرية اليهود التابعة للقوات البريطانية) .

ب) حل مفوضية الكشافة اليهودية .

ج) طرد افراد الشرطة اليهود.

وعن رد الحكومة البريطانية على هذه المطالب.

وقد اجاب الوزير السيد "لوسون" بأن الزعامات الوطنية الليبية لم تتقدم بأي من هذه الطلبات. وانهم لم يرفضوا التعهد بالمحافظة على القانون والنظام ". [انتهى الاقتباس من الوثيقة الثالثة].

 

***   ***   ***

الوثيقة الرابعة:

 

مراسلة من السكرتير السياسي للمجلس العالمي لليهود ( قسم اوروبا)

السيد أ .ل .ايسترمان، الى وزير الخارجية البريطاني السيد ارنست بيفن.

مؤرخة 27 نوفمبر 1945

 

"لقد وجهت اليّ ادارة المجلس العالمي لليهود تعليمات لمتابعة الاضطرابات الموجهة ضد اليهود في طرابلس، والتي ادت الى فقدان ارواح وممتلكات يهودية.

لقد استلم المجلس العالمي لليهود احتجاجات قاسية من الطائفة اليهودية في طرابلس حول تفجر هذه الموجة من العنف ضدهم للمرة الاولى طوال قرون من التعايش السلمي والودي بين المواطنين العرب واليهود. وقد تضمنت شكواهم من اخفاق السلطات المدنية والعسكرية في قمع هذه الاضطرابات تنويه بان الاعتداءات على اليهود وممتلكاتهم قد استمرت لمدة 48 ساعة على الرغم من نداءاتهم للسلطات باتخاذ اجراءات حاسمة وسريعة لحمايتهم .

ان التقارير التي وصلت الى المجلس العالمي لليهود تفيد كذلك بان عناصر عربية معادية لليهود وترتبط بعلاقات مع الانظمة النازية والفاشستية السابقة قد وصلت مؤخرا الى طرابلس ودول اخرى في شمال افريقيا، وان القلاقل الاخيرة والتي تسببت في قتل اليهود وتدمير ممتلكاتهم قد تمت في الواقع بتحريض من هذه العناصر وتحت اشرافها .

انني مكلف من قبل ادارة المجلس العالمي لليهود بالتعبير عن خالص الامل في ان تلبي حكومة صاحب الجلالة طلب فتح تحقيق فوري في الظروف التي ادت الى تفجر اعمال العنف ضد اليهود في طرابلس حتى يتم تحديد المسؤولين عنها وتُتخذ الاجراءات التي تكفل عدم تكررها. ويُطلب بالتحديد ايقاع اشد العقوبات بمن تثبت مشاركتهم في هذه الاضطرابات او التحريض عليها، وان تتخذ كافة الاجراءات اللازمة لقمع النشاطات المعادية لليهود، وان تصدر التعليمات للسلطات العسكرية البريطانية لتقديم الحماية التامة للطائفة اليهودية، وان تدفع التعويضات المناسبة على الخسائر في الاروار والممتلكات اليهودية .

·              لقد قمنا بتوجيه رسالة تحتوى على نفس هذه المطالب لوزير الحرب" [انتهى الاقتباس من الوثيقة الرابعة].

 

***   ***   ***

كما الحق السيد ايسترمان بهذه الرسالة رسالة قصيرة بتاريخ 3 فبراير 1946 يستفسر من خلالها عن التأخير في الرد، ويضيف بان المجلس العالمي لليهود استلم من الطائفة ايهودية في طرابلس برقية تفيد بان "اوضاع الطائفة يائسة جدا" وانه لم تجر اى تحقيقات حتى الان .

 

 

 ***   ***   ***

الوثيقة الخامسة

مسودة رد وزارتي الحرب والخارجية

من المسؤل في وزارة الحرب السيد أ.سي.درو إلى السيد ايسترمان

 

لقد كلفني السيد الوزير بالرد على رسالتك المؤرخة 27 نوفمبر بخصوص الاضطرابات الموجهة ضد اليهود والتي وقعت مؤخرا في طرابلس، كذلك بالاعتذار عن عدم تمكنه من الرد في وقت اسرع.

 

مثلما بين السيد لوسون في مجلس العموم يوم 21 نوقمبر، فإن صعوبة اعادة الامن والنظام بالسرعة اللازمة كان بسبب تفرق اعمال العنف، وانه قد تم القيام بكل ماهو ممكن للسيطرة على الوضع في اسرع وقت. ان التقريرالنهائي الذي يجري اعداده حول هذه الاحداث لم يُستلم بعد، ولكن لا يوجد، حتى الان، اي دليل على مؤثرات منظمة من الخارج، وخصوصا مؤثرات يمكن ربطها بمصادر نازية او فاشستية. اما بخصوص بقية الموضوعات التي اثرتها، فإنه قد تم بالفعل اتخاذ اجراءات وقائية على الفور، وان هذه الاجراءات بقيت سارية المفعول بعد انتهاء الاضطرابات. كما جرت عدة اعتقالات في ذلك الوقت وقد تم تقديم المتهمون للمحاكمة حال توقف الاضطرابات .

بالنسبة لموضوع التعويضات فهذا امر من اختصاص المحاكم، وعليه فان اي طلبات يجب تقديمها للسلطات القضائية المناسبة ان لم يتم بالفعل اتخاذ هذا الاجراء" [انتهى الاقتباس من الوثيقة الخامسة].

 

***   ***   ***

غداً: حوادث طرابلس كما وردت في الوثائق البريطانية

***   ***   ***

الجزء الثاني:

هجرة اليهود من ليبيا كما وردت في الوثائق (2 من 3)

 

بدأت الاضطرابات بمشادّة بين عربي ويهودي وانتقلت إلى الأحياء الشعبية

 

"الحيـاة" : 22 أيلول (سبتمبر) 1997 الموافق 21 جمادي الأولى 1418 هـ (العدد رقم : 12624)

 

تقديم الصحيفة للجزء الثاني:

" أرخت الوثائق البريطانية حوادث عام 1948 وهي موجودة في وثائق رسمية للحكومة البريطانية ومحفوظة في مكتب الوثائق العامة في لندن.

يتحدث تقرير صادر عن دائرة الاعلام العامة (البريطانية) عن الاضطرابات التي وقعت في طرابلس الغرب بتاريخ 12 حزيران (يونيو) 1948 استناداً إلى مصادر رسمية وشبه رسمية، وشهود عيان. وهو محفوظ في الملف رقم : FO160/98."

***   ***   ***

الوثيقة السادسة:

الاضطرابات التي وقعت في طرابلس بتاريخ 12 يونية 1948

تقرير صادر عن دائرة الاعلام العامة (البريطانية)

استنادا الى مصادر رسمية و شبه رسمية، وشهود عيان .

محفوظ فى الملف رقم : FO160/98

 

"ان الاضطرابات التي اندلعت في طرابلس عصر يوم السبت الموافق 12 يونية 1948 استمرت لعدة ساعات فقط ، وقد ادت العمليات العسكرية التي قامت بها القوات المدنية والعسكرية الى منع تلك الاضطرابات من ان تتطور الى احداث اكثر جدية .

 

وفي خلال حدوث الاضطرابات بعث مراسلي الصحف تقارير صحيحة وشاملة بالاضافة لكونها حيادية. ولعله من الجدير ان نذكر هنا بان التقارير التي صدرت من مراقبين مسؤولين و حياديين كقناصل الولايات المتحدة وفرنسا واليونان، كلها اجمعت على ان عمليات السلطات كانت ذات فاعلية عالية وجاءت في الوقت المناسب مما ساعد في السيطرة على الوضع و منع تفاقم الاضطرابات . الا ان رؤساء الطائفة اليهودية قاموا باصدار سلسلة من البيانات ضد السلطات البريطانية تشوبها الهستيريا، اتهموا من خلالها الادارة البريطانية بالتقاعس والتباطؤ في ارسال قوات الامن لحماية اليهود وممتلكاتهم ، وعدم اظهار الشدة في معاملتهم للمشتركين في اعمال الشغب. بل انهم لم يتورعوا عن اتهام السلطات بالتأمر مع السكان العرب من اجل ابتداء الاضطرابات. ولكن ما الفائدة التى تجنيها بريطانيا من اشاعة الاضطرابات العنصرية في ليبيا، في الوقت الذي تناقش فيه الدول العظمى الاربعة مسألة الانتداب البريطاني لليبيا في لندن في الوقت الحاضر؟

وقد تم ابراق هذه الاتهامات الى عدة جمعيات يهودية عالمية، ومما لاشك فيه انها ستستخدم من قبل اعداء بريطانيا لاثارة الاشاعات .

ماهي الحقائق اذاً ؟

لعله من المجدي ان نبدأ بنبذة موجزة عن وضعية اليهود والعرب في طرابلس، وكيف تأثرت بسبب تفجر الاحداث .

ان العلاقات بين الجماعتين، على قدر مانستطيع اثباته، كانت طبيعية. ولا شك في انه كان هناك شعور بالتوتر بين اعضاء الطائفة اليهودية لمخاوفهم من ردود فعل العرب ضدهم لما يجري في فلسطين. ولكن ليس هناك من الشواهد ما تؤيد مثل هذه الشكوك، او تشير الى تصلب شعور العرب في المدينة .

بالاضافة الى ان اخبار الاضطرابات التي وقعت في الجزائر ضد اليهود في الاسبوع الماضي لم تجد اي رد فعل يذكر من قبل السكان العرب المدركين .

الا انه كان هناك عنصرا ذو تأثير سئ في المدينة. الا وهو وجود حوالي  200 متطوع تونسي كانوا قد وصلوا الى المدينة وهم في طريقهم الى فلسطين، وقد كان لبعضهم علاقات شخصية بعرب طرابلس .وكان هؤلاء المتطوعين في حالة من الهيجان بسبب صدور قرارات جديدة من السلطات المصرية تفيد بعدم حاجتها الى مزيد من المتطوعين، مما يعني وجوب عودتهم الى بلادهم .

ان وجود هؤلاء الزائرين الساخطين، بالاضافة الى انتشار الروح العدائية مؤخرا بين الشبيبة اليهودية،  قد تكون من الاسباب المحتملة التي اشعلت نار الاضطرابات ( في يوم 11 يونية نُقل عربيان الى المستشفى بسبب اعتداءات قام بها اليهود في حوادث متفرقة ).

كانت الاجواء في صباح وعصر يوم السبت الثاني عشر من يونية طبيعية حتى الساعة 14,10  حين حدثت مشادة كلامية بين شاب يهودي واخر عربي في تقاطع شارعي "فيا ليوباردي" و "كورزو سيشيلي" (شارع عمر المختار لاحقاً) وبعد قليل تدخل شابان تونسيان فتطورت المشادة الى تبادل اللكمات ثم الى معركة جرت في يا ليوباردي" تدخل فيها تونسيون من منطقة مقهى اسكالي" ويهود من منطقة "ميركاتو ريونالي" (سوق الحوت لاحقا). وفي ذلك الحين نشبت المشادة بين الشابين العربي واليهودي، والتي اوعزت بابتداء المعركة ، واخذ العرب، التونسيون على ما نعتقد، بالهتاف "ان لم نستطع الذهاب الى فلسطين لمحاربة اليهود فلنحاربهم هنا". وبسرعة تجمع عدد من العرب وساروا الى الحي اليهودى" في المدينة القديمة من "باب الحرية" و"فيامانتزونى" و يا ليوباردى"، وبدأ اليهود برمى القنابل على المتظاهرين العرب الذين كانوا مسلحين بالهراوات والحجارة. وفي حوالي الساعة 16,40 تجمع ما يقارب على 500 متظاهر عربي معظمهم من الصبية واخذوا مواقعهم في المنطقة الواقعة غربيا ليوباردى"، وبدأوا برمي الحجارة على اليهود الذين كانوا في طريقهم الى المدينة القديمة والى بيوتهم مابين "فيا مانتزوني" و "فيا ليوباردى"، في حين بدأ اليهود بالرد بالمثل من مواقعهم فوق اسطح المنازل .

ثم بدأت اعمال النهب للمنازل القريبة من المتظاهرين العرب .

جاء ضابط مع عدد من رجال الشرطة من مركز شرطة السوق واصبحوا عرضة الى الحجارة التي يرميها اليهود المتجمعين على سور المدينة ، وكذلك رميت عليهم قنبلة من جهة اليهود المنتشرين على سطوح بيوتهم وتبعها عدد من العيارات النارية. وبعد ان اطلق رجال الشرطة الرصاص نجحوا في فتح حاجز بين الفريقين المتخاصمين. وفي الساعة 17,40 صدرت الاوامر للشرطة بأن يبقوا في مواقعهم ، واعلن حظر التجول بين الساعة  19,00 والساعة 6,00، فيما استمر الغوغاء بالسرقات في المناطق المنعزلة الواقعة ضمن "فيا دانتي"~ و يا بيتراركا" (شارع جودت صوناي لاحقا) و "فيا مانتزوني"و "فيا ليوباردي". وفي الساعة 18,15 بدأ رمي مكثف بالحجارة تبعه اول حادث للحريق .

وصلت تعزيزات عسكرية الى منطقة السوق ومراكز الشرطة في المنطقة الغربية. وعندما اقتربت ساعة بدأ حظر التجوال انقسم المتظاهرون العرب الى جماعات صغيرة قوامها ما بين 50 الى 500  شخص وبدأوا مسيرهم من منطقة المدينة القديمة مارين بالمدينة الجديدة ثم الى "الظهرة"و "فشلوم" و"شارع سيدي خليفة". وقد نهبت تك الجماعات الممتلكات والمخازن اليهودية التي مرت بها ثم اضرمت فيها النيران. ونتيجة لذلك فقد احرقت شركة طرابلس للهندسة التي يملكها "جيوسيبي حبيب"، بالاضافة الى وقوع حرائق في مناطق يا دانتي" ويا ميتراركا" و ياليوباردي". وقد تم تطبيق نظام حظر التجول بصورة مشددة من قبل رجال الشرطة ودوريات الجيش (البريطاني). وبحلول الساعة 20,00 تمت السيطرة على الوضع بصورة نهائية في المدينة القديمة ما عدا بعض الحرائق. وقد قامت الجماعات المتظاهرة المتألفة من حوالي 50 شخصا في طريق عودتها برجم دار جيوسيبي حبيب الواقعة في يا جيوسيبي اورزي" بالحجارة. كما حدثت بعض الحوادث الثانوية ما بين الساعة20,00 والساعة 23,00. بالاضافة الى تطبيق دوريات الشرطة المتنقلة لنظام حظر التجول فقد قامت بتخليص اليهود الذين اتخذوا من الشاطئ البلدي ودكاكين المدينة الجديدة ملجأ لهم. كما القت القبض على العرب الذين اختبؤا في المقبرة العربية لتفادي نظام حظر التجول .

وفيما يلي كشف بالاصابات التي قيدت حتى منتصف الليل من اليوم الثاني عشر من يونية 1948

 

 

عرب

يهود

القتلى

3

11

المصابون بجروح بليغة

8

10

الجرحى

18

6

 

كما تم علاج عدد غير معروف من العرب واليهود فى عدة مستشفيات ولم يتم حجزهم .

مابين منتصف الليل من اليوم الثاني عشر من يونية والساعة 6,00 من صباح اليوم التالي لم تسجل اي حادثة تذكر سوى اعتقال ما يقارب 47 شخصا ممن خالفوا نظام حظر التجول. وعندما رفر حظر التجول في الساعة 16,00 حاول مايقارب 200  يهوديا مغادرة المدينة القديمة لجمع بعض الحيوانات ، ولكن الشرطة منعتهم من ذلك. وفي حوالي الساعة 6,30 اخذ اليهود مواقعهم على سور المدينة القديمة وعلى سطوح بيوتهم. وفي الساعة  7,00 تجمعت جماعتان من العرب قوام كل منهما حوالى 400 شخصا في منطقة "سوق الثلاث" ولكنها تفرقت بعد ان اطلق رجال الشرطة الرصاص.

اندلعت الاضطرابات مرة اخري الساعة 7,50  بين اليهود والعرب في "فيا مانتزوني" ويا ليوباردي" برمي الحجارة اولا ثم حوادث سرقة للممتلكات اليهودية. وفي الساعة 7,50 نجحت قوات الشرطة بفتح حاجز بين اليهود والعرب في هذه المنطقة.. ورميت قنبلة يدوية ايطالية الصنع على سيارة شرطة ولكنها تدحرجت الى الطريق ثم انفجرت في منطقة خالية من دون ان تحدث اي اذى يذكر. وقد رميت تلك القنبلة بلا شك من على سطح احدى الدور اليهودية. وفي ذلك الوقت تجمع عدد غفير من العرب في منطقة "فيا ليوباردي" واستمر رمي الحجارة بكثافة.

في الساعة 8,15 انتقلت السيطرة من القوات المدنية الى القيادة العسكرية، الا ان رجال الشرطة بقوا فى مواقعهم حتى الساعة 10,00 تقريبا الى ان تمكن الجنود من اتخاذ مواقعهم. وفي حوالي الساعة 11,30 اخذ اليهود المتجمعين على سور المدينة القديمة برجم قطارالديزل المتجه الى الميناء بالحجارة، فأُرسلت مفرزة من الشرطة لمرافقة القطار في رحلته. في ذلك الوقت فُقدت السيطرة في المدينة القديمة وبدأت الاشتباكات اليدوية تحدث في مواقع متعددة. وقد حاول اليهود المتمركزين على سور المدينة القديمة جهدهم لرمي قناني زجاجية مليئة بالزيت والبنزين على المتظاهرين العرب. كما استمرت اعمال النهب والحرق في المناطق المحيطة بحارة اليهود ومنطقة يا ليوباردي" وفي حوالي الساعة 11,30 تمكنت قوات الجيش (البريطاني) من استعادة النظام الى المناطق المحيطة بالمدينة القديمة. قام رجال الشرطة بتطويق وتفتيش حوالى 1000 شخص من العرب، وتم القاء القبض على القائمين بالسرقات الليلية. وقد كان معظم العرب الذين تم تطويقهم من الباعة المتجولين.

بدأ نظام حظر التجول من منتصف النهار فصاعدا ولم تقع اي حادثة خلال الليل.

بعد ان رفع نظام منع التجول في الساعة6,00 من يوم 14 يونية قامت قوات الشرطة بدورياتها في انحاء المدينة القديمة والجديدة، والقي القبض على امرأتين عربيتين كانتا تسرقان في منطقة "كازابوبولاري" (حي المساكن الشعبية بالقرب من شارع الصريم ). وفي اليوم الثالث عشر من يونية بدأ اليهود بعمليات سرقات للدور العربية في المدينة القديمة واستمرت حتى اليوم التالي حيث وصل عدد الدور العربية المسروقة من قبل اليهود الى 17 دارا. وقد القي القبض على سبعة يهود اتهموا بالسرقات .

فيما يلي احصائية بحالات الطوارئ التي سجلت حتى الساعة8,00 من يوم 14 يونية 1948:

 

 

عرب

يهود

القتلى

3

13

المصابون بجروح بليغة

13

22

الجرحى

38

16

 

وفيما يلي احصائية بعد الاشخاص الذين القي عليهم القبض حتى الساعة 8,00:

 

سرقات

متظاهرين

اعتداءات

انتهاك

حيازة سلاح

حرائق

خرق حظر التجول

40

29

4

1

7

9

75

 

ظل الوضع هادئا في الساعة8,00 بالرغم من التوتر الواضح بين العرب واليهود، بالاخص في المناطق التي تأثرت بالاضطرابات والمحيطة بالمينة القديمة والسوق .

قامت قوات الشرطة بدورياتها بينما بقيت قوات الجيش مرابطة في مواقعها التي انيطت اليها، ولم تقع اي حادثة تذكر في الصباح. وفي الساعة 12,00 قامت قوات الجيش بفرض نظام منع التجول في المنطقة الواقعة شمال "كورزوسيشييليا" والتي تشمل المدينة القديمة .

خلال فترة حظر التجول اطلقت القوات المسلحة النيران على شخصين عربيين واخر يهودي، ولم تحدث حوادث اخرى في طرابلس فيما تبقى من ذلك اليوم. وفي الساعة 19,00 اعيد فرض حظر التجول واستمر حتى الساعة 6,00 من يوم 15 يونية وساعدت في فرضه قوات الجيش والشرطة

وفي الساعة 19,00 خفت حدة التوتر الى درجة كبيرة، وقد اشرفت قوات الشرطة الساعة 19,15 على عملية ترحيل  260 متطوع تونسي الى بلادهم. وقد غادروا المدينة بدون وقوع اي حوادث.

تم دفن 3 من اليهود من بينهم طفل كانوا قد قتلوا خلال الاضطرابات التي وقعت ليلتي 12 و 13 يونية .وقد رافق مسيرة التشييع عدد من رجال الشرطة ولم تقع اية حادثة .

تم العثور فوق سور المدينة القديمة على لافتات يهودية تحمل شعارات مفادها "من الشرف ان يموت الانسان في سبيل وطنه ". وقد ازيلت تلك اللافتات فيما بعد. وفي الساعة 23,00 رافقت قوات الشرطة تجهيزات الطعام من المدينة الجديدة الى حارة اليهود حيث تم توزيعها على الاشخاص الذين التجؤا الى الكنيس .

القي القبض على 32 شخصا اخرين ممن حاولوا خرق نظام حظر التجول ليصير اجمالي عدد المقبوض عليهم خلال فترة الاضطرابات 197 شخصا 10% من هؤلاء كانوا من سكان طرابلس العرب ، و.10% كانوا من اليهود و 80% من التونسيين اومن سكان المناطق المحيطة بطرابلس

لم تقع اي حادثة خلال ليلة 14/15 من يونية". [انتهى الاقتباس من الوثيقة السادسة].

 

***   ***   ***

غداً: حوادث طرابلس كما وردت في تقارير الشرطة

***   ***   ***

الجزء الثالث:

هجرة اليهود من ليبيا كما وردت في الوثائق (3 من 3)

 

تقارير الشرطة اكدت وجود اتصالات شجعت اليهود على الشغب

 

"الحيـاة" : 23 أيلول (سبتمبر) 1997 الموافق 22 جمادي الأولى 1418 هـ (العدد رقم : 12625)

 

تقديم الصحيفة للجزء الثالث

"نشرنا في حلقة أمس تقرير القنصل حول الاضطرابات التي جرت في طرابلس الغرب بسبب مشادة حصلت في أحد الشوارع. وننشر اليوم في الحلقة الثالثة والأخيرة تقرير الشرطة حول الحوادث".

***   ***   ***

الوثيقة السابعة:

ملحق لتقرير الشرطة عن اضطرابات 12 يونية 1948

اعده الكولونيل : أ. سوندرز، المدير العام للشرطة

الشؤون اليهودية:

أولاً:

1) في لقاء عقد بين اللجان العربية واليهودية في الرابع عشر من يونية، اعلنت الاخيرة عن عدم ثقتها برجال الشرطة العرب بزعم انهم وقفوا مكتوفي الايدي حينما قامت الغوغاء باعمال السرقة والقتل والحريق.

2) في يوم الخامس عشر من يونية تم تقديم شكوى مكتوبة الى رئيس الادارة (البريطانية) واخرى شفهية الى القيادة العليا للشؤون المدنية، ومدير شرطة طرابلس، والى "الكابتن ستانلي" وضابطي دائرة الاعلام السادة "برمر" و اردنر"، والى ضباط مراكز شرطة السوق والغربية، ادعوا من خلالها ان الشرطة العربية فشلت في تأدية واجباتها في يومي الثاني عشر والثالث عشر من يونية

ثانيـاً:

1) ان تقرير الشرطة الرسمي الذي كتب اعتمادا على الحقائق سيفند تلك المزاعم المغرضة .

2) ادخل الى المستشفى اربعة قتلى واثنا عشر جريحا من العرب متأثرين برصاصات اطلقت عليهم. وقد اثبتت التحقيقات ان قوات الجيش اطلقت النار على عربي واحد في اليوم الثالث عشر من يونية وعربيان اخران في اليوم الرابع عثسر لخرقهم نظام حظر التجول. كما قتلت الشرطة البريطانية عربيا واحدا وجرحت اثنان اخران. وعليه فان رجال الشرطة المسلمين اطلقوا الرصاص على عشرة اشخاص عرب.

ان هذه الحقائق بحد ذاتها تدحض بعض هذه الادعاءات.

3) ان فاعلية رجال الشرطة المسلمين في تفريق المتظاهرين والمشاغبين ادت الى حد كبير الى الحد من حجم الخسائر وحوادث الحريق والسرقة. كما قاموا بالقاء القبض على 58 عربيا .

4) وفي فترة من الفترات كان هناك 250 لاجئ يهودي في مركز شرطة السوق، واخرون في المركز الغربي تحت رعاية رجال الشرطة المسلمين، الذين اعادوهم فيما بعد الى اماكنهم في سيارات تابعة للشرطة او رافقوهم سيرا على الاقدام .

5) تمكن رجال الشرطة المسلمين من انقاذ احد عشر شخصا ينتمون الى عائلتين يهوديتين من النيران التي التهمت الطابق الثاني من بناية كانوا فيها.

6) اقر كل من رجال قوات جلالة الملكة، وضباط الشرطة والمدنيين البريطانيين بفاعلية رجال الشرطة المسلمين في مساعدتهم لليهود الذين قرروا مغادرة المدينة القديمة ونقل ممتلكاتهم معهم .

7) انا شخصيا شهدت من خلال تقرير الشرطة الذي حررته بالعناية التي ابداها رجال الشرطة المسلمين اتجاه الجرحى اليهود ونقلهم للنساء اليهوديات الخائفات مع اطفالهن الى اماكن أمنة .

8) ان كل ممتلكات اليهود المسروقة التي صودرت من السارقين كانت نتيجة لجهود رجال الشرطة.

9) اثار دفن عشرة من الضحايا اليهود في الساعات الاولى من صباح اليوم الثالث عشر بحضور مصلين عن الطائفة اليهودية ورفقة مفرزة من رجال الشرطة تحت امرة ضابطين بريطانيين، موجة من الجحود والتذمر من قبل رئيس الطائفة ثم كبير الحاخامات لاحقا. لقد كان من الضروري عدم تأجيل مراسم الدفن، فقد طلب كبير الحاخامات مسبقا من ال P.M.O الاسراع بعملية الدفن، كما ان كل ذلك كان لابد ان يتم في اثناء ساعات حظر التجول. أُخبر اقارب الموتى بذلك، وحضر المراسم احد الحاخامات .وعندما اعرب رئيس الطائفة عن امله بان تتم المراسم في الساعة العاشرة من صباح اليوم الرابع عشر، وابلغ بانها قد تمت بالفعل في وقت سابق، اجاب بان هذا العمل شئ "مشين" وانه "تدنيس للمقدسات".

وقد صرح كبير الحاخامات لاحقا برأي مماثل لرأي رئيس الطائفة .

ثالثـاً

وفقا لتعليمات مدير الادارة (البريطانية فقد ألحق السيد "برَمَر" بمكتب لجنة الطائفة اليهودية من السادس عشر حتى العشرين من يونية، لغرض الاستماع الى الشكاوى التي سبق وان تقدم بها رئيس الطائفة وكبير الحاخامات وعدد من اعضاء اللجنة الاخرين الى مركز القيادة، والادارة العسكرية البريطانية ، والقيادة العليا للشؤون المدنية وضباط شرطة الولاية، والتحقيق في هذه الشكاوى.

 رابعـاً

ان موجة الاستغاثة واعطاء المعلومات غير الصحيحة، و بث اشاعات تجدد اعمال الشغب، وما يشابه ذلك، هي جزء لا يتجزأ من الاضطرابات العنصرية. واننا نتعاطف مع الاقليات التي تستهدفها الاضطرابات. ولكن المحاولات المنظمة التي تعمل على تشويه سمعة قوات الامن - وهي اشاعات لا اساس لها - بالاضافة الى محاولات اخرى تعتمد على معلومات يُعلم بانها خاطئة على امل دفع الادارة (البريطانية) لتقديم حماية اكثر لبعض الشخصيات، و لدعم الادعاءات بان الشرطة اهملت واجباتها اتجاه الطائفة اليهودية، كلها يجب ان تقابل بعدم التشجيع وبكل وسيلة ممكنة .

انني على ثقة بان المئات من اليهود –ومعظمهم من النساء والاطفال من الطبقات الفقيرة - الذين التجؤا الى قوات الشرطة، وتمتعوا بحمايتهم ومن ثم أخذوا الى اماكن أمنة وبقوا فيها يومي الثالث عشر والرابع عشر من يونية، سوف لن يشتكوا من تصرفات رجال الشرطة المسلمين تجاههم. وبالتأكيد فانهم لم يظهروا أي تخوف من كونهم تحت حمايتهم.

انه لمن المؤسف حقا ان يتبع رؤساء الطائفة نفس الاسلوب الذى اتبعه يهود فلسطين خلال الثلاثين سنة الماضية بوضع العراقيل في وجه المسؤولين عن الأمن. ولو كان هناك شخص واحد في اللجنة يتحلى بقوة الارادة والعدل والرزانة في الامور لبث شعور الثقة بين افراد الطائفة، ولخفف من عبء رجال الأمن الذين حاولوا السيطرة على الوضع. ولكن مساعيهم كانت تتعرض باستمرار للتثبيط من قبل رؤساء الطائفة اليهودية". [انتهى الاقتباس من الوثيقة السابعة].

 

***   ***   ***

الوثيقة الثامنة:

ملاحظات شخصيّة على فعاليّات الشرطة

اعدها الكولونيل : أ.سوندرز، المدير العام للشرطة في طرابلس بتاريخ 19 يونية 1948

 

"....اعطيت الاوامر للميجور "ديبين" لجلب مفرزة من الشرطة تحت قيادة المفتش الزنتوتي والدخول الى شقة في الطابق الاول ببناية في "فيا ليوباردي" كان يجري اقتحامها. وعندما دخل رجال المفرزة المسلحون بالعصي وجدوا 8 أو 9  اشخاص من حثالات المجتمع وقد انقظوا بالهراوات على رجل وامرأة عجوزين بينما انشغل الاخرون بسرقة ما في الغرف الاخرى. كما كان هناك عدد من الشباب والاطفال في الغرف الخلفية. قلّما رأيت افرادا من الشرطة المسلمين يهاجمون اخوانهم المسلمين بكل الضراوة والغضب من اجل الدفاع عن اليهود. بعد ان اخرجوهم من الشقة ضربا بالعصي القوا بهم على ثلاث دفعات من اعلى السلالم ليلتقطهم افراد المفرزة الاخرون الذين كانوا في انتظارهم في الخارج.

في ذلك الحين وصل رئيس شرطة  P.T.S   ليشرف على عملية نقل جثث الموتى الى مركز شرطة السوق حيث قمت مع الميجور ديبين بتشخيصهم بينما قام رئيس شرطة P.T.S   بتسجيل الملاحظات.

لقد اعجبت كثيرا ايضا بالطريقة التي عامل بها الشرطة المسلمون الجرحى والمصابين من اليهود. وعندما اكتظت المنطقة المحيطة بهذه البناية في "فيا ليوباردي" بكثير من العوائل اليهودية الذين تركوا  شققهم بحثا عن مكان أمن. قام رجال الشرطة هؤلاء بنقلهم الى مركز شرطة السوق في سيارات الشرطة او بمرافقتهم سيرا على الاقدام .

لقد كان المفتش الزنتوتي خير مثال لرجال الشرطة، وانني لا اعتقد ان تصرفات الشرطة تجاه الجرحى والمذعورين كانت كلها بسبب وجود قائد الشرطة البريطاني والضباط البريطانيين الاخرين.

كانت هذه الجماهير تتألف بصورة شبه كاملة من حثالة القوم الذين هم على استعداد لقتل اخوانهم المسلمين من اجل سرقتهم بنفس الشراسة التى اظهروها تجاه اليهود.

رئيس شرطة طرابلس و رئيس شرطة  P.T.S    وغيرهم من الضباط البريطانيين - ومعظمهم ممن لهم خبرة سابقة في فلسطين - شهدوا على إنصاف رجال الشرطة وانهم اداروا مهامهم بكل شجاعة وحكمة وبلا تحيز.

ولقد وجدت طوال تلك الفترة رجال الشرطة المسلمين على غاية من التأهب والاستعداد والمقدرة على تحمل مسؤولياتهم واداء واجباتهم. وانني لا اتردد في القول بأن مثل هذا الانضباط والتأهب الذي اظهره رجال الشرطة انما يعود الى المُثل التي تحلى بها الميجور "لي" والانطباع الذي تركه عليهم في قيادته للقوة واشعارهم بالعمل كمجموعة، وهكذا بنى لهم الاسس الجيدة للعمل كرجال للشرطة. ان رجال الشرطة الليبيين تعلموا ان يضعوا الثقة بضباطهم وايقنوا بانهم تحت قيادة جيدة.

ومما يجدر الانتباه له هو انه لم يتغيب اي فرد من افراد الشرطة لسبب طبي وانهم وطلبة مدرسة تدريب الشرطة الذين تمت الاستعانة بهم، كانوا في وضع استعدادي مابين الثاني عشر والسادس عشر من يونية، ولم ياخذوا اوقات استراحاتهم الا متى سمحت لهم الظروف بذلك. ولم تظهر منهم اي شكوى بل قاموا بواجباتهم ليلا ونهارا مغتسلين ومحلقين ذقونهم .

ان ضباط الشرطة البريطانيين في مدينة طرابلس هم بحق جماعة على غير المعتاد وان رجال الشرطة يستحقون الثناء من قبل الشعب الذين هم في خدمته .[انتهى الاقتباس من الوثيقة الثامنة].

***   ***   ***

نختتم ستعراضنا لوضع يهود ليبيا في الاربعينيات، والاحداث المأساوية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد بأهم تقرير عن الموضوع. وقد حذفت منه بعض الفقرات التي تعيد سرد الاحداث لتجنب التكرار غير المفيد .

وسنعود مرة اخرى لتقديم ما يمكن من الوثائق الرسمية التي توضح حال اليهود في عهد الاستقلال وفي ظل المملكة الليبية [2] .

***   ***   ***

الوثيقة التاسعة:

مقتطفات من الجزء الأول من تقرير القائد الأعلى للادارة البريطانية بطرابلس

البريجادير تِ .آر. بليكلي

المؤرخ 23 يونية 1948

 

 

1) منذ الاضطرابات التي قامت ضد اليهود في نوفمبر 1945 فإن العلاقات بين اليهود والعرب بقيت منسجمة، ولم تقع اي حادثة تذكر سواءا كانت سياسية او ذات طابع تخريب،  وقد اخذت الافكار الصهيونية تزداد تدريجيا بين الشبيبة اليهودية، ومما ساعد على ذلك هو تعيين الحاخام "ييلوز" من فلسطين كرئيس للحاخامات في عام 1947، وهومن مواليد الجزائرويحمل الجنسية الفلسطينية .

لم تُحدث الزيارة التي قام بها اعضاء هيئة الدول العظمى الاربعة اي رد فعل سلبي، وقد تم تأكيد التضامن العنصري من خلال حفلة الشاى التي اقامها رؤساء الطائفة اليهودية لهيئة التحرير العربية التي يرأسها بشير بك السعداوي.

 

حفل استقبال يضم اعيان يهود طرابلس وعلى رأسهم زنكينو حبيب والحاخام شلومو ييلوز، ولجنة تحرير ليبيا وعلى رأسها بشير السعداوي والشيخ محمد بو الاسعاد. (فبراير 1948)

 

2) .....لاحظنا ازدياد نشاطات هيئة الدفاع عن فلسطين في طرابلس حيث انشغلت بارسال المتطوعين (العرب القادمين من المستعمرات الفرنسية) والليبيين شرقا (الى فلسطين)، وفي نفس الوقت بدأ العديد من الشباب الصهيوني بالمغادرة الى ايطاليا كمرحلة اولى لهجرتهم الى اسرائيل. وقد قام رجال القوات المسلحة والامن بمراقبة التطورات بصورة مشددة مما ادى الى حصر اي اصطدام الى ساحات القتال البعيدة. في اليوم السابع من يونية اعلنت مصر عن عدم قبولها لمزيد من المتطوعين القادمين من المغرب العربي.

وبتاريخ 12 يونية كان في المدينة القديمة مابين 400 و 500 متطوع تونسي يأملون بالاستمرار في رحلتهم (الى فلسطين) ولا يتطلعون الى العودة الى المناطق الخاضعة للحكم الفرنسي والتي كانوا قد تسللوا منها سرا. وبينما المتطوعون يجوبون الشوارع بلا هدف، فان شعورا عاما بالعداء للصهيونية يظهر بوضوح في المدينة القديمة. وقد كان وجود هؤلاء المتطوعون في المدينة يذكّر باستمرار بالاحداث التي تجري في مكان اخر، بالاضافة الى ماكانت تذيعه راديوات المقاهي ودكاكين الشاي بأعلى الاصوات. وفي الوقت نفسه ازدادت الاعمال الاستفزازية التي كانت تقوم بها الشبيبة اليهودية بعد ان اصبحت متشبعة بالافكار الصهيونية .

ان الاسباب الرئيسية التي ادت الى حدوث الاضطرابات هي توتر العلاقات بين المسلمين واليهود في مختلف انحاء العالم بالاضافة الى تأزم الوضع الاقتصادي المحلي والذي جلب لمدينة طرابلس اعدادا كبيرة من العاطلين الذين يبحثون عن عمل. فمن بين الـ 77 شخص الذين القي القبض عليهم لاشتراكهم في اعمال الشغب كان هناك تسعة اشخاص فقط من اهالي المدينة .

3) ..... لقد اندلعت الاضطرابات بصورة ارتجالية، وليس لدينا من الدلائل ما تشير بأنه قد تم التخطيط لها مسبقا . 

4) ولكن لا يمكننا القول بان هذا ماحدث بالنسبة لوسائل الدفاع التي اتخذها اليهود. فهناك عدد من الدلائل التي تشير الى وجود تحضيرات مسبقة كحوادث رمي القنابل اليدوية من سطوح المنازل، واطلاق الرصاص بين الحين والاخر. بالاضافة الى ذلك فقد ظهرت بعض الكتابات العبرية على الجدران تقول : "لا بأس ان يموت الانسان في سبيل وطنه وهذه الدلائل كلها تشير الى وجود منظمة للدفاع، وان وظائفها لا تقتصر فقط على الدفاع، ففي عدة حوادث اشتبكت جماعات من الشبيبة اليهودية مع الشرطة من اجل الخروج من المدينة القديمة ومهاجمة السكان العرب. وعندما عادت الاوضاع الى حالتها الاعتيادية وبدأ التجار اليهود بفتح متاجرهم في المدينة الجديدة قامت اعداد من العصابات اليهودية الصغيرة بتهديدهم واجبارهم على غلق تلك المتاجر. وقد ذكر القنصل الفرنسي بان روح العربدة تسود بين اليهود الذين يتمتعون بالحماية الفرنسية، كما لاحظ عدد من ضباط الادارة ممن حضروا حوادث عام 1945 ان المعنويات اقوى مما كانت عليه في 1945.

5) ..... ان اليهود وحدهم هم الذين انتقدوا اعمال الشرطة واتهموها بالفشل في اداء واجباتها. ولقد تم التحقيق في كل الشكاوي التي قدمها اليهود ووجدناها خالية من الصحة .

.......

..........

8) ان سلطة اعيان الليبيين من العرب واليهود اثبتت عدم قدرتها فى مواجهة حماس وعنف الجماهير.

وفي يوم الاثنين تم عقد اجتماع في بيت احد الوجهاء العرب بين اعيان الطرفين اصدروا في ختامه بيانا مشتركا يشجب الاضطرابات ويدعوا الى السلام. وقد وزع البيان على رجال الصحافة. وقد قام ضباط من الادارة العسكرية البريطانية بتنظيم هذا الاجتماع ولولا حظورهم لما تم اصدار البيان المشترك حيث كان اهتمام زعماء الفريقين بتبادل الاتهامات القاسية عن احداث سابقة اكثر من اهتمامهم بالتعاون في الوقت الحاضر او المستقبل.

 

اجتماع لجنة المصالحة العربية-اليهودية-الانجليزية يتوسطها مقتي ليبيا الشيخ محمد بوالاسعاد العالم، وعلى بك القره مانلي، وعلى يمينه كبير حاخامات الطائفة اليهودية شلومو ييلوز، كما تشمل اعيانها زنكينو حبيب، وليلو أربيب، ومسؤلين بريطانيين وشخصيات عربية أخرى.

 

9) ان مشكلة العرب واليهود في الشرق الاوسط تعود جذورها الى تاريخ عميق، وستبقى على حدتها حتى يتم التوصل الى حل وسط لمشكلة فلسطين يرضي الفريقين. ان احسن ما نروم اليه هو ايجاد قوات امن واعية وكفؤة مؤلفة من رجال من الشرطة المدنيين تدعمها قوات عسكرية في سبيل الحفاظ على السلطات المدنية بالاضافة الى وجود جهاز مخابرات نشط وكفؤ. ان توقعاتنا ضئيلة او بالاحرى معدومة بالنسبة للمساعدات التي يمكن ان يقدمها اعيان المجتمع في السيطرة على العناصر المتمردة بينهم والذين سوف ينتهزون اي فرصة للقيام باعمال الشغب والتخريب. ومن سوء الحظ فان اليهود ليست لديهم اي ثقة برجال الشرطة العسكرية البريطانية. والحل الوحيد لهذه المشكلة هو تأليف قوة هجوم حيادية كالتي تم الموافقة على تأسيسها نظريا بعد احداث 1945. . [انتهى الاقتباس من الوثيقة التاسعة والأخيرة].

ــــــــــــــــ

[1] لقراءة المزيد حول هذا الموضوع انقر هنا

[2] بالامكان معرفة المزيد من التفاصيل عن احوال اليهود في عهد الاستقلال باتباع هذه الوصلة للاطلاع على تقرير السفير البريطاني في طرابلس الذي أرسله الي وزير الخارجية الكندي بتاريخ 28 نوفمبر 1964 ردا على استفسار الأخير عن وضعية اليهود في ليبيا بعدما كثرت تقارير المنظمات اليهودية إلى الحكومة الكندية عن وجود اضطهاد لليهود في ليبيا.

 

مصادرالصور:

  1. كتاب يهود في أرض عربية ، تأليف رينزو دي فيليشي. ( (“Ebri in un paese arabo”, By: Renzo De Felice

  2. كتاب الهجرة من ليبيا، تأليف ماكس فارادي ( “L’ESODO DALLA LIBIA” By: Max Vardi )

  3. كتاب يهود ليبيا : بين ادريس والقذافي 1948 – 1970، تأليف ليللو أربيب. ( GLI EBREI IN LIBIA, FRA IDRIS E GHEDDAFI, 1948-1970”, BY: LILLO ARBIB )

 

 ***   ***   ***

صادر عن الاتحاد الدستوري الليبي

lcu@lcu-libya.co.uk

2 فبراير 2010

* أعيد نشر هذا المقال على المواقع الليبية  التالية بتاريخ 3 فبراير 2010

 "ليبيا وطننا"  و "ليبيا المستقبل"  

 

للانتقال للصفحة المخصصة لموضوع "يهود ليبيا"

Testimony of British Government’s Secret Documents

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

ملحق لمقال "هجرة اليهود من ليبيا كما وردت في الوثائق"

محمد بن غلبون

رئيس الاتحاد الدستوري الليبي

chairman@libyanconstitutionalunion.net

 

21 صفر 1431 الموافق 5 فبراير 2010

بعد مضي وقت طويل على نشري للمقال الوثائقي "هجرة اليهود من ليبيا كما وردت في الوثائق" في صحيفة "الحياة" سنة 1997 وقعت على كتاب "أنبياء في بابل : يهود في العالم العربي" للكاتبة والصحافية "ماريُن وولفسُن"، تناولت في فصله السابع نبذة مهمة جداً عن أحداث العنف التي تعرض لها اليهود في ليبيا قبيل وعقب اعلان قيام دولة اسرائيل في فلسطين، عنوانها : "متاعب في شمال أفريقيا".

ولو أنني اطلعت على ذلك الكتاب قبل نشر المقال المذكور لأضفت تلك النبذة إلى مجموعة الوثائق التي تكوّن منها المقال لما لها من أهمية قُصوى، خاصة وأنها جاءت من كاتبة يهودية مرموقة، أشارت فيها إلى ضلوع عناصر صهيونية من داخل صفوف الجيش البريطاني، في عملية إفساد العلاقات الودية بين سكان ليبيا من العرب واليهود ضمن مخطط مدروس يهدف إلى تهجير يهود ليبيا إلى فلسطين.

ولذا فإنني ألحق الآن ما كتبَته السيدة وولفسُن إلى النسخة الالكترونية من المقال التي نشرناها على الانترنت بتاريخ 3 فبراير 2010 لإثراء ملف هذه القضية.

 

****   ****   ***  

"PROPHETS IN PABYLON : Jews in the Arab World”

BY: Marion Woolfson

Chapter 7  :    (The Violent Years)

TROUBLES IN NORTH AFRICA

"متاعب في شمال أفريقيا".

((وصفت صحيفة "ذا جويش آوْتْ لُوكّ - The Jewish Outlook" [الصادرة في مايو 1956] ماحدث كالتالى:

" ليبيا هي المثل الأسوأ للضرر الذى سببته السلطات العسكرية [البريطانية] ومبشرو الصهيونية، والذين بدَوا وكأنهم وحّدوا جهودهم لتحويل البلاد - حيث يعيش المسلمون واليهود فى وئام منذ أجيال - الى فلسطين اخرى.

فبعد التحرير بدا أن الجنود من يهود فلسطين [في الجيش البريطاني] المتواجدون هناك يشغلون كل اوقات فراغهم وراحتهم فى الدعاية للصهيونية، وفى تنظيمات شبيبة الكشافة الصهيونية شبه العسكرية، والذين كانوا يجوبون الشوارع بصورة استفزازية مرددين الأناشيد الصهيونية. وقد أدت وفرة الطعام والملابس التى وفرها هؤلاء الجنود إلى جذب اهتمام السكان اليهود، الذين عانوا كثيرا من جراء شراسة وهمجية دول المحور، أكثر من الدعاية الصهيونية، ولكن الجمع بين الامرين كان طُعماً يصعب مقاومته، و خاصة لجيل صغار السن [1]."

ومن الواضح انه عندما كُتب هذا السرد فى عام 1946 كان هناك احتكاك حتى قبل تأسيس دولة أسرائيل ولم يفاجأ سكان ليبيا بحدوث الاضطرابات. ونتج عن هذه الاضطرابات قتل 13 يهوديا و 5 من العرب إضافة الى إصابة 22 يهوديا و13 من العرب بجروح بليغة. وقد علَقت احدى الصحف التي غطّت هذه الأحداث عليها بالقول: "معظم هؤلاء اليهود مثل نظائرهم فى شمال افريقيا الفرنسية عاشوا فى هذا المكان قرونا كثيرة فى سلام كامل مع جيرانهم المسلمين الذين يجدون عندهم القبول أكثر من المسيحيين[2]".

اشتكى مسؤولون فى الحكومة الإيطالية من أن الاضطرابات بين اليهود و العرب أساءت الى سمعة المستعمرة الايطالية السابقة، ليبيا. و أضاف هؤلاء المسؤولون أنهم يلومون البريطانيين على هذه الاضطرابات، وأوضحوا أن هذه هى المرة الثانية التى تحدث فيها مثل هذه الاضطرابات فى خلال سنتين ونصف من حكم الادارة البريطانية فى حين انه لم تحدث اضطرابات من هذا النوع خلال مدة الحكم الايطالى الذى سبق الادارة البريطانية والذى استمر لمدة 30 سنة. وطلب متحدث رسمى لجاليات يهود ايطاليا حماية خاصة ليهود طرابلس بعد "المذبحة المنظمة" التى حدثت خلال خريف 1945، ولكن بدا وكأن هذا الطلب قوبل بالتجاهل. و فى ذلك الوقت استمرت الاضطرابات لمدة 3 أيام وقتل حوالى 150 يهوديا.

وقد أظهرت التحقيقات التى اجريت فى ذلك الوقت أن القوات البريطانية لم تتدخل إلا بعد حدوث الضرر وكان التفسير الرسمى لذلك هو أن الحامية العسكرية تطيع الأوامر التى تأتى اليها من مركز القيادة البريطانية فى مصر فقط، وأن هذه الأوامر لم تصدر. وبناءً على خلفية الأحداث السابقة وكذلك على ماجرى فى 1948 فقد سلطت الصحافة الايطالية الضوء على الاضطرابات الثانية فنشرت صحيفة "أفانتي" Avanti, وهى صحيفة اشتراكية، العنوان التالى: " الإنجليز يتخذون موقف المتفرج".

وفى تعليق على الأحداث فى طرابلس ادعى الإيطاليون أن البريطانيين ليس لديهم الحق مطلقاً فى السماح للمتطوعين التونسيين للجبهة الفلسطينية بالدخول إلى ليبيا، ولايعفيهم من اللوم -على قصر نظرهم هذا- أنهم أصدروا أوامر بإرجاعهم بعد مرور وقت أطول من اللازم، وبعد حصول الضرر. وكذلك أكد الإيطاليون أن "وجهة نظر بريطانيا فيما يتعلق بفلسطين" له علاقة قوية بالاضطرابات، وكذلك فإنه كان يوجد فى ليبيا أعداد كبيرة من القوات البريطانية والتى كانت قد انسحبت من فلسطين ولو كان هناك تصرف فورى من قبل السلطات البريطانية عند ظهور أول بوادر المتاعب لكان بالامكان منعها من الانتشار"[3].

وفى السنة التالية وكنتيجة لاعتراف بريطانيا باسرائيل -كأمر واقع- والذى احتفل به اليهود فى طرابلس بفرح عظيم، ألغت الإدارة العسكرية البريطانية قرار منعها إصدار تأشيرات خروج لليهود ذوى الأعمار الصالحة للخدمة العسكرية وعلى حسب التقديرات حينئذ فان 10 آلاف يهودى من أصل 30 ألف فى طرابلس تقدموا بطلبات هجرة إلى اسرائيل. وكانت الأدارة البريطانية -بناءً على ما يبدو أنها توجيهات من وزارة الحرب- (إقليم طرابلس كان قد أصبح حينئذ تحت دائرة اختصاص وزارة الخارجية البريطانية) قد أحدثت تغييرات حادة وصارمة فى "سياستها تجاه اليهود"، باذلة قصارى جهدها لتسهيل هجرة اليهود [4] وبعد ذلك بفترة قصيرة ظهر 5 من الشباب اليهود أمام محكمة فى طرابلس متهمين بحيازة أسلحة و متفجرات وكذلك برمى قنابل يدوية على العرب فى اضطرابات يونيو 1948 وجرح اثنين من العرب فى حادثة لاحقة [5].

وبعد ذلك بشهور قليلة ورد تقرير يفيد بوصول 600 يهودى إلى طرابلس، وهى آخر مجموعة من بنغازى فى طريقها إلى اسرائيل. وتكاد الجالية اليهودية في بنغازي تنقرض باستثناء مئات قليلة من أصل خمسة ألاف يهودي هاجر أسلافهم و استوطنوا ليبيا بعد تدمير المعبد الثانى.

ومعظم اليهود الذين كانوا يعيشون فى دواخل البلاد تم جلبهم إلى طرابلس، ولكن لم يسمح لهم بالهجرة حتى يعالجون من التراخوما و أمراض أخرى. وأضاف التقرير أن العرب ناشدوا اليهود البقاء وعدم الهجرة ولكن لم يكن من المحتمل أن تكون لتلك النداءات جدوى "لأن يهود شمال افريقيا كانوا متلهفين للخروج من هذه المنطقة والتى لهم فيها ذكريات غير سعيدة" [6].

وفى يونيو 1951 رفضت الجالية اليهودية التي مكثت فى طرابلس، وقوامها ثمانية آلاف، اقتراحاً بإنشاء مؤسسة من أجل "الحالات الصعبة". او بمعنى آخر حالات 800 من المرضى والمسنين اليهود الذين رفضت إسرائيل ان تسمح لهم بدخولها. وقد كان الاقتراح الذى تقدَم به الصهيونيون يقضى بالسماح الفوري لليهود الاصحاء بالسفر الى إسرائيل، ولكنهم رفضوا الهجرة بدون أقاربهم المرضى والمسنين [7].

وفى الشهر التالى ورد تقرير يفيد أنه يتوقع أن يهاجر ثلاثة ألاف من بين 7 آلاف من اليهود الباقين فى طرابلس قبل أن تقفل الوكالة اليهودية أبواب مكاتبها فى طرابلس قبيل نهاية العام، ولكن كان هناك كثير من اليهود الليبيين الأغنياء الذين كانوا ينتظرون صدور دستور الدولة الليبية الجديدة قبل أن يقرروا هل سيهاجرون أم لا، حيث إنهم قرروا أنه لو سمح لهم بتحويل أموالهم والهجرة مسقبلاً في حال رغبتهم فإنهم على الأرجح سيقررون البقاء، على الأقل فى الوقت الحالى. فالعلاقات بين اليهود و العرب فى ذلك الوقت كانت طيبةً و لم يكن هناك ما يوحى بأن أحوال اليهود ستتغير عند استلام الحكومة الليبية لزمام الأمور لاحقاً في تلك السنة [8] )) [انتهى الاقتباس من الكتاب].


[1] (جويش أوت لوك ، لندن، مايو 1946)  Jewish Outlook, London, May 1964
[2] (كريستيان ساينس مونيتور، 15 يونية 1948) Christian Science Monitor, 15 June 1948
[3] (المصدر السابق) Christian Science Monitor, 15 June 1948
 [4] Jewish Chronicle, 11 March 1949
[5] (المصدر السابق، 22 ابريل 1949) Ibid, 22 April 1949
[6] (المصدر السابق، 16 سبتمبر 1949) Ibid, 16 September 1949
[7] (المصدر السابق،29 يونية 1951)   Ibid, 29 June 1951 
[8] (المصدر السابق، 24 أغسطس 1951)Ibid, 24 August 1951
 

 

نشر هذا المقال على المواقع الليبية التالية

 "ليبيا وطننا"  و "ليبيا المستقبل"

 

 

 

 

هجرة اليهود الى فلسطين وقصة الوطن البديل

نشرت هذه النسخة الالكترونية من هذا المقال على الانترنت في  19 فبراير 2010 *

ختاماً للمادة الوثائقية التي أعدنا نشرها على الانترنت خلال الاسابيع الماضية والمتعلقة بموضوع "يهود ليبيا"، نعيد اليوم نشر هذا المقال الذي يسلط الضوء على أن الأطماع الصهيونية في ليبيا تعود الى ماقبل أكثر من مائة عام.

 

استند هذا المقال بصفة رئيسية على مصدر ليبي هو الكتاب الوثائقي القيّم الذي ألفه الأستاذ مصطفى عبد الله ابعيّو، ونشره في مارس 1975 بعنوان "المشروع الصهيوني لتوطين اليهود في ليبيا".

 

غلاف الكتاب الأمامي

نُـشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة الحياة بتاريخ 20 سبتمبر 1997 مشاركة منّا في مجموعة من المقالات كانت الصحيفة قد نشرتها بمناسبة مرور مئة عام على عقد المؤتمر الصهيوني الأول، ووضع حجر الأساس للمنظمة الصهيونية التي أدت الى ولادة دولة اسرائيل في أرض فلسطين.

"الحيـاة" : العدة (12622) ، 20 سبتمبر 1997، الموافق 19 جمادي الأولى 1418

"تابعت باهتمام بالغ سلسلة المقالات المهمة التي تفضلتم بنشرها بمناسبة مرور مئة عام على عقد المؤتمر الصهيوني الأول ، ووضع الحجر الأساس للمنظمة الصهيونية التي أدت الى ولادة دولة اسرائيل قبل نصف قرن تقريباً، ولا سيما الوثيقة التاريخية القيمة التي حررها عضو مجلس المبعوثان العثماني، الاستاذ روحي ياسين الخالدي رحمه الله ، لما احتوت عليه هذه الوثيقة من معلومات ثمينة ودقيقة عكست ثقافة مؤلفها وسعة اطلاعه وإلمامه بأحوال العالم الكبير، خارج حدود عالمنا العربي ومنطقة نفوذ الدولة العثمانية ، باحساس تاريخي وقدرة على قراءة الأحداث وترجمتها ترجمة موضوعية، واستشعار للخطر نتمنى ان نراه عند ساستنا ومثقفينا في وقتنا هذا.

فقد بينت هذه الوثيقة (30 أب / اغسطس – 5 ايلول / سبتمبر، صفحة قضايا) المسارات المختلفة التي اتبعها اليهود في نهاية القرن الفائت لايجاد وطن قومي لهم يمكن تلخيصها في ثلاثة مسارات:

الأول يدعو الى هجرة اليهود الى فلسطين واستعمارها تدريجياً، أو ايجاد وطن بديل في أي أرض كانت. والثاني ينفر بشدة من فكرة استعمارفلسطين ويعمل بدأب على تهجير اليهود الى الارجنتين. اما الثالث فيصر على ايجاد وطن قومي لليهود في فلسطين دون أي مكان أخر "لاعادة مجدهم في صهيون " واستعمارها والتكاثر فيها. وكان من أوائل الدعاة لهذا النهج الجمعيات الاستعمارية المعروفة باسم "الغيورون على صهيون" التي بدأت نشاطها بعد عام من ظهور الـ "أنتي سيميتزم" في روسيا عام 1881، والتي نجحت بسبب نشاطها وقوة نفوذها في استمالة الدكتور هرتزل نفسه بعد ان كان يميل الى المسار الأول ، وهيمنت على كل المسارات وتطورت حتى نظمت المؤتمر الصهيوني الأول سنة 1897، وقادت الى ما قادت اليه

كما أرخ الاستاذ الخالدي رحمه الله، بوضوح للمساعي الصهيونية الحميمة التي قادها الدكتور هرتزل عند زيارته للاستانة سنة 1901، للتأثير في رجال  "الما بين" [1] والسلطان عبدالحميد الثاني نفسه، واغرائهم بالخدمات المالية والأموال الطائلة للسماح لليهود بحق الحكم الذاتي في فلسطين على غرار جزيرة ساموس. وقد رفض السلطان رفضاً قاطعاً هذا الطلب وعرض لأراض مختلفة من المملكة العثمانية بدلاً من فلسطين .

وأتمنى ان تسمحوا لي بالانطلاق من هذه النقطة لكشف مساعي إحدى هذه المنظمات الصهيونية التي تنتمي الى الفريق الأول وهي "منظمة الأراضي اليهودية"  لاستعمار منطقة برقة في شرق ليبيا واتخاذها - ولو موقتاً - وطنا قوميا لليهود. فقد ثبـّت الاستاذ "مصطفى عبدالله بعيّو" في كتابه الوثائقي الذي نشره في أذار (مارس ) 1975 بعنوان "المشروع الصهيوني لتوطين اليهود في ليبيا" نقلأ عن "ناحوم سلاوش" ، الاستاذ بجامعة السوربون، وعضو بعثة "جمعية الأراضي اليهودية - Jewish Terrotorial Organization " الى ليبيا، ان الأراضي التي عرضها السلطان عبدالحميد لم تكن الا منطقة "سِرت" في وسط ليبيا. ومعلوم ان منطقة جنوب سرت كانت في عهد الرومان ملجأ لكثير من اليهود الذين فروا اليها من منطقة قورينا "شحات" في شرق ليبيا اثناء قمع الرومان لثورة اليهود الكبرى التي اشعلها يهود قورينا سنة 115م، واستمرت حتى سنة 118م. واسنطاع اولئك اللاجئون ان يؤسسوا مستعمرة لهم بالقرب من تل اليهودية. وقد أشار الاستاذ ناحوم سلاوش الى ان عدد يهود بلدة سرت كان حوالى خمسين يهودياً سنة 1909 .

وقد علق الأستاذ  بعيو على هذا العرض بأنه "بادرة خطيرة من الحكومة العثمانية للمساهمة في حل مشكلة اليهود العالمية، على حساب جزء مهم من ليبيا بحكم الواقع الجغرافي لاقليم سرت، واهميته بالنسبة لبقية اجزاء ليبيا كحلقة وصل بينها، فضلاً عن اهمية المنطقة المقترحة من حيث الامكانات الرعوية وتربية الحيوانات .

ويضيف الاستاذ بعيو ان تلك كانت أول محاولة يذكرها لنا التاريخ الحديث فيما أعلم بخصوص محاولة الدولة العثمانية اسكان بعض اليهود في منطقة مهمة من مناطق ليبيا .

اما العرض الآخر الذي تقدمت به الدولة العثمانية لتوطين بعض اليهود في ليبيا فكان ممثلاً في ما اقترحه رجب باشا بحكم منصبه كوالٍ للبلاد ( 1904 – 1909)، على ناحوم سلاوش عند مقابلة الأخير له أثناء زيارته لليبيا في تموز (يوليو) 1906، وطلبه السماح له بزيارة الجبل الغربي. لقد كانت مقابلة رجب باشا لهذا الرحالة ودية للغاية حتى انه نصحه بالبدء من الساحل، حتى لا يجذب اليه التفات الايطاليين الذين كان يصر على رفض السماح لهم بمثل هذه الجولة. كان رجب باشا (كما يصفه ناحوم سلاوش) ا ودياً للغاية في موقفة من اليهود، وكان من أنصار مشروع الاستعمار اليهودي. وقد دعا رجب باشا هذا الرحالة الى زيارة منطقة مسلاتة التي كان يعتبرها مكاناً مختاراً للاستعمار الأوروبي. وفي هذه الاشارة توجيه لانتباه الرحالة اليهودي الى هذه المنطقة ودراسة امكانية الاستفادة منها في توطين اليهود.

ونصح رجب باشا ضيفه اليهودي بارتداء الطربوش على الطريقة التركية، وان تكون رحلته في هيئة استاذ مهتم بالتربية اليهودية حتى لا يلفت انتباه المواطنين كثيراً. وربما فُسّر حماس رجب باشا الشديد لفكرة توطين اليهود للاستعانة بهم ضد ضغوط ايطاليا على حكومة الولاية ومن خشيته من استجابت الباب العالي للمطالب الايطالية في ليبيا. وقد لاحظ بعيو وجود عامل مهم ساهم في تسهيل مهمة ناحوم سلاوش عند رجب باشا وهو وجود يعقوب كريجر في منصب الترجمان العام للولاية. وكان يعقوب افندي يهودياً قد قدم الى طرابلس من "سالونيك"، واستطاع بمهارته الخاصة ان يستحوذ على رضى الباشا ويفوز بثقته، مما مكنه من تقديم الكثير من الخدمات لبني دينه. وقد كتب يعقوب أفندي الى ناحوم سلاوش يخبره بأن الاقتراحات التي تقدم بها زعيم الصهيونية الدكتور هرتزل الى السلطان عبدالحميد بخصوص السماح لليهود بانشاء وطن قومي لهم في فلسطين قد رفضها السلطان، وان اليهود والأتراك يمكنهم ان يتبادلوا المنفعة في ولاية طرابلس الغرب .

وقد نُقِل رجب باشا من ليبيا على اثر الانقلا ب العثماني الذي أطاح بالسلطان عبدالحميد الثاني، واختاره رجال الاتحاد والترقي الذين قاموا بالانقلاب وزيراً للحربية، ولكنه مات يوم تعيينه فجأة. وقد صف ناحوم سلاوش وفاته في الصفحة 95 من كتابه "رحلات في شمال أفريقيا" بأنه "خسارة كبيرة لليهود"..

ويبدو ان زيارة ناحوم سلاوش هذه الى ليبيا كانت بناءً على توصية من شخصية يهودية نافذة اخرى، هو القنصل العام البريطاني في تونس "السير هاري جوهانستن"، وهو أيضاً رحالة مشهور بمؤلفاته الكثيرة عن افريقيا وأوضاعها الجغرافية السياسية . وقد أصبح في ما بعد رئيساً للجمعية الجغرافية الملكية في لندن - الذي زار ليبيا سنة 1898، في أواخر عهد نامق باشا، وألمّ بأوضاعها وأحوالها وغادرها وهو يحمل في ذهنه فكرة تحويلها الى وطن قومي لليهود. ولهذا نراه يتصل بالمسؤولين فينظمة الأراضي اليهودية" بلندن التي يترأسها اليهودي الكبير"اسرائيل زانجويل" ويقترح عليهم فكرته ويحدد لهم منطقة "الجبل الأخضر" في برقة بالذات، كما يتبين من المقدمة التاريخية والسياسية التي كتبها اسرائيل زانجويل في الكتاب الذي تضمن تقارير البعثة التي ارسلتهانظمة الأراضي اليهودية" لفحص المنطقة المقترحة لتوطين اليهود في برقة، وهو ما صار يعرف بـ "الكتاب الأزرق".

وبناءً على ما تقدم به السير هاري جوهانستن وما كتبه ناحوم سلاوش ، قامتنظمة الأراضي اليهودية" في الخامس من شهر تموز (يوليو) سنة 1908 بإرسال بعثة علمية الى مدينة طرابلس ومنها الى منطقة الجبل الأخضر لدراسة امكانية تحقيق هذه الفكرة. وقد أوكلت رئاسة البعثة لـ "جي جريجوري"  استاذ الجيولوجيا بجامعة غلاسغو البريطانية . وتضمنت فريقا من كبار المتخصصين في مجالات الزراعة والهندسة والموارد الطبيعية، وطبيباً هو الدكتور "م . كيدر" الذي قام بدراسة الأحوال الصحية في برقة وأعد التقرير الصحي في هذا الكتاب، بالاضافة الى ناحوم سلاوش ، لسابق خبرته بالموضوع ولتوضيح أهداف البعثة لرجب باشا وابعاد أي شك يثيره مجيء البعثة عند أهل البلاد.

صورة الغلاف الداخلي للكتاب الأزرق مأخوذة من النسخة الموجودة بمكتبة الكونجرس بواشنطن (كما وردت بالكتاب)

وقد جاء في مقدمة تقرير البعثة ان "المنظمة" قبل ان تقوم بارسال بعثتها الى برقة طلبت من اللجنة الجغرافية التابعة لها عمل الدراسات اللازمة للتحقق من امكانية الاستفادة من برقة كوطن قومي لليهود. أمضت هذه اللجنة مدة سنتين في الدراسات الأولية في هذا الخصوص.  وكان من بين اعضائها "أوسكار ستراوس" الذي اعترف منذ البداية بأن برقة لم تكن معروفة لديه. وقد علق اسرائيل زانجويل على ذلك بقوله ان برقة تكن بعيدة عن روسيا ورومانيا حيث كان اليهود هناك يعانون الكثير من الاضطهاد. وبالاضافة الى موقع برقة الجغرافي بالنسبة الى روسيا ورومانيا، فهي ليست بعيدة عن فلسطين حيث تتجه قلوب اليهود.

ويذهب اسرائيل زانجويل الى حد القول بأن برقة تفضل فلسطين نفسها في تحقيق الموطن القومي لليهود، لأنها غير مقدسة عند المسلمين والمسيحيين، كما هي الحال بالنسبة لفلسطين التي تتنافس في تقديسها الأديان السماوية الثلاثة. وفي فلسطين تتنافس الفرق اليهودية الكثيرة، الشيء الذي لم تكن تعرفه برقة. وفي رأيه أيضاً ان اختيار برقة يفضل اختيار فلسطين من حيث قلة السكان الاصليين، الشيء الذي يسمح باستيعاب عدد أكبر مما تستوعبه فلسطين من اليهود اللاجئين. وليبيا بمساحتها الكبيرة كانت لا تضم الا مليوناً من السكان أو نحو ذلك، مما يساعد على غلبة النفوذ اليهودي وضمان تفوقه بطريقة سهلة نسبيا باتباع سياسة تشجيع هجرة اليهود الى ليبيا بثبات ومثابرة. وبالرغم من ان رجب باشا لم يقدم المشروع اليهودي رسميا الى حكومته في اسطنبول، الا ان المنظمة اليهودية اعتبرت ما أبداه من حماس للفكرة بادرة طيبة من حكومة تركيا، لأنها رأت انه بحكم رئاسته للقوات التركية في افريقيا قد تحصّل تقريباً على كل سلطات نائب السلطان في البلاد.

صورة الغلاف الخلفي للكتاب

وقد كان اسرائيل زانجويل، يرى ضرورة الاستفادة من حماس حكومة الولاية لفكرة المشروع اليهودي والبدء في المفاوضات المباشرة مع حكومة الباب العالي في اسطنبول من دون أي تأخير. وبينما كانت تجري الاستعدادات اللازمة لارسال البعثة الى برقة، بادر بالاتصال بصديقه "ارمينيوس فامبري الاستاذ بجامعة بودابست، وكان ارمينيوس فامبري اليهودي في عقيدته الدينية أباً روحيا لجماعة "تركيا الفتاة"، وصديقا شخصياً للسلطان عبدالحميد في الوقت نفسه، ليطلعه على المشروع اليهودي في برقة ويعرف رأيه فيه. وجاء رد فامبري سريعاً بالموافقة مؤكداً على احتمال قبول السلطان للمشروع ، وأظهر استعداده للذهاب شخصيا الى اسطنبول اذا لزم الأمر لمعالجة المسألة بنفسه .

لم يكتف ارمينيوس فامبري بالرد على رسالة اسرائيل زانجويل وابداء وجهة نظره في المشروع، بل قام بارساله الى السلطان عبدالحميد الثاني عن طريق سكرتيره الأول تحسين باشا. ولمّا لم يبد السلطان ما يشتم منه عدم رضاه على المشروع طلب فامبري من صديقه اسرائيل زانجويل ان يكتب بنفسه الى السلطان مؤكدأ له ان السلطان سيرد عليه بسرعة. وأعد ارمينيوس فامبري خطاب التقديم باللغة التركية الى تحسين باشا، وقبل ان يقوم زانجويل بارسال الرسالة الى السكرتير الأول للسلطان عرض مسودتها على ارمينيوس فامبري الذي اعتبرها وافية بالغرض حتى انه لم يغير فيها أي كلمة. وقد تضمنت الرسالة بيانات بمطالب نظمة الأراضي اليهودية" في برقة على أساس الحكم الذاتي للمهاجرين اليهود.

وصل أعضاء البعثة الى مدينة طرابلس يوم الخميس 16تموز (يوليو) 1908حيث قام القنصل العام البريطاني بتقديمهم الى الوالي رجب باشا، ثم عادوا بصحبة ناحوم سلاوش لمقابلة الوالي مقابلة خاصة طويلة في اليوم التالي. ثم تركت البعثة مدينة طرابلس يوم الاثنين 20 تموز متجهة الى بنغازي ومنها أبحرت الى مدينة درنة حيث قدمهم يعقوب كريجر الى القائد العسكري الذي سلموه خطابات من رجب باشا وقام القائد العسكري بتقديم كل مساعدة لاعضاء البعثة وزودهم بحراس من الجنود الأتراك والجندرمة ، كما زودهم بخطابات الى القادة العسكريين في "المرج"  و"مرسى سوسة" وأمدهم بمعلومات عن موارد المياه والزراعة في المنطقة. وقد بقيت البعثة في مدينة "درنة" من 24- 27 تموز قام فيها اعضاؤها باختبار المورد المائي للمدينة، وعيون الماء الموجودة في وادي "درنة " وزيارة بساتينها والحقول المجاورة لها، ثم تركوها في قافلة توجهت بهم الى عين شحات (قورينا) المعروفة بعين أبوللو والمشهورة بمياهها العذبة. ومنها انقسم اعضاء البعثة الى فريقين بحسب تخصصاتهم لاجراء الاختبارات في مناطق مختلفة منها منحدرات "اسلنطة" وبلدة "مسّة" و "المرج"  والسهول الواسعة في تلك المنطقة ثم انحدرت القافلة الى بلدة "طلميثة"  على الساحل ومنها الى بنغازي ومن هناك عادت البعثة عن طريق طرابلس الى جزيرة مالطا حتى وصلت لندن في السادس والعشرين من شهر أب (اغسطس) 1908.

وفي هذه الأثناء وبينما كان اسرائيل زانجويل يستعد لارسال رسالته الى تحسين باشا جاءت الأخبار بوقوع الانقلاب العثماني في اسطنبول وخلع السلطان عبدالحميد الثاني. وكان من نتيجة هذا الانقلاب ان أصبح تحسين باشا لاجئأ سياسيا..

وهكذا تضافرت عوامل عدة لتساهم في فشل هذا المخطط أهمها هيمنة المنظمات الصهيونية المصرة على استعمار فلسطين  من دون غيرها على بقية المنظمات، وكذلك الغزو الايطالي الذي اجتاح ليبيا في 1911".

ــــــــــــــ

*هشام بن غلبون، عضو "الاتحاد الدستوري الليبي، مانشستر (بريطانيا)

 [1] دائرة "الما بين" كانت أهم دائرة في قصر السلطان العثماني، وكانت تتولى المراسلات بين قصر السلطان والباب العالي (الحكومة). وكان تحسين باشا من أهم الشخصيات التي تولّت منصب كاتب دائرة "الما بين".

نشرت هذه النسخة الالكترونية من هذا المقال بتاريخ 19 فبراير 2010 في المواقع اللبية التالية

 "ليبيا وطننا"  و  "ليبيا المستقبل"

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة:

المنظمات الصهيونية تسعى للسيطرة على ليبيا بعد تسوية القضية الفلسطينية 

هل حق العودة ليهود ليبيا فقط، أم أنه كذلك للفلسطينيين ؟

 

                          أوجه الشبه بين حالة يهود ليبيا ويهود العراق

Copyright © 1999 LCU. All rights reserved.
Revised: April 05, 2023