Click Here For English Menu

 

 

 

 

Libyan Constitutional Union

 

 

www.libyanconstitutionalunion.org

&

www.libyanconstitutionalunion.net  

&

www.lcu-libya.co.uk

 

 

 

 

سلسلة من المقالات نشرتها بعد اطلاعي على كتاب الناشطة والكاتبة الأمريكية "أليسون وير" بعنوان : "ضد حُكمُنا الأفضل: التاريخ الخفي لكيف استُخدِمت الولايات المتحدة لإنشاء دولة إسرائيل"، الذي يُميط اللثام عن أسرار مذهلة ومعلومات في غاية الأهمية تبين عمق تحكّم أطراف بعينها في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية؛ وتسييرها للعملية الديمقراطية نفسها في هذه الدولة العظمى وتسخيرها لخدمة إسرائيل! ما شدّني إلى الكتاب منذ البداية هو أن جميع المعلومات المدرجة فيه موثّقة المصادر ولا ترقى لها أي شبهة، وهو ما دفعني لكتابة هذه السلسلة بعد أن كانت نيتي مجرد تقديم الكتاب لأكبر عدد من القراء الليبيين والاستفادة مما وجدته فيه في سياق ما سبق وأن نشرناه في سلسلة البحوث والدراسات التوثيقية عن موضوع "يهود ليبيا" منذ سنة 1995.

 

(1 من 6)

مقطع فيديو خجلت من نفسي لأنني لم أطّلع عليه إلا الآن !

(هشام بن غلبون)

لم أشارك هذا المقطع المثير إلا بعد أن بحثت لأتأكد من شخصية مقدمة المعلومات الخطيرة التي احتواها، وأنها لا تنتمي لأي من المنظمات المتطرفة، أو التي تبث خطاب الكراهية وتحرّض على العنف والخراب. فوجدت أن الناشطة والكاتبة الأمريكية "أليسون وير" شخصية اعتبارية لها وزنها بين شخصيات الضمير الانساني. بدأت حياتها كصاحفية مغمورة في الإعلام المحلي في مدينة "سوساليتو" بولايتها كاليفورنيا، ثم سافرت إلى فلسطين سنة 2001 عقب الانتفاضة الثانية، فكانت تلك الزيارة بمثابة اللحظة الفارقة في حياتها، لما شهدت عليه من البؤس والضنك الذي يعاني منه الفلسطينيون بسبب طغيان وجبروت قوات الاحتلال الاسرائيلي، فعادت إلى بلادها لتبحث -بمعزل واستقلالية عن مصادر الأخبار والمعلومات السائدة في بلادها- فراعها ما وقفت عليه من نقل وسائل الإعلام الأمريكية لأخبار منطقة الشرق الأوسط لمصلحة جهة واحدة هي إسرائيل، بينما تهمّش الجانب الثاني من الصراع (الفلسطينيون) وتقلل من معاناته... وتضرب مثلا على ذلك بتركيز وسائل إعلام بلادها فقط على الـ 29 إسرائيلي الذين راحوا ضحية الصواريخ المحلية التي صنعها أهل غزّة، بينما تتجاهل الـ 4000 قتيل فلسطيني -ومن بينهم كثير من الأطفال- الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية في ذلك الوقت. فقررت إنشاء موقع على الانترنت تخاطب من خلاله الشعب الأمريكي اختارت له اسم "If Americans Knew" أي "لو علِمَ الأمريكيون". وشرعت في تثقيف نفسها عن هذه القضية التي مسّت ضميرها، وعن دوافع وخلفيات هذا الموقف الجماعي -الموحّد- و "المريب" من قِبَل وسائل إعلام رائدة عالمياً، تفتخر بحِرَفيتها وموضوعيتها وحرصها على تقديم "الحقيقة" لجماهير شعبها !

تقول السيدة "أليسون وير" أنها شرعت بعد عودتها من فلسطين في قراءة الكثير من الكتب لكتاب وباحثين معروفين من اجل الاستزادة من التعلّم عن علاقة امريكا بهذا الصراع، وسبب هذا الانحياز -المخالف لكل ما نشأت عليه أمريكا، وكل ما هو قريب من قلوب مواطنيها من تقديس لحرية الرأي، ونصرة المظلومين والمضطهدين، و أنها وجدت الكثير من المعلومات المذهلة في هذا الصدد. ...

 

للأسف لم أجد ترجمة عربية لهذا المقطع، وليس عندي التقنية ولا المهارات الفنية التي تمكّني من فعل ذلك، وسأكتفي فقط بإدراج بعض النقاط البارزة فيما قالته السيدة "أليسون وير" في تقديمها في هذا المقطع لكتابها عن هذه القضية، والذي نشرته سنة 2014 بعنوان:

"Against Our Better Judgment: The hidden history of how the U.S. was used to create Israel"

والذي ترجمه العديدون بـ: "ضد حُكمُنا الأفضل: التاريخ الخفي لكيف استُخدِمت الولايات المتحدة لإنشاء دولة إسرائيل" ...

وربما يفيد التوضيح بأن الترجمة الحرفية لعبارة "  Against Our Better Judgment  " ربما تؤدي إلى تمييع المعنى المقصود. والذي أجده أقرب إلى المعنى المقصود هو : "ضد ما نراه صواباً" أو "بعكس الحق الذي نعرفه " أو "ضد ما نعرف أنه الصواب" ... أو هكذا ...

 

سأدرج هنا بعض النقاط التي استوقفتني، ولعلي أعود إلى الموضوع بعد قراءة هذا الكتاب، المتوفر على موقع أمازون بسعر زهيد.

 

تقول السيدة أليسون وير في هذا المقطع:

 

·        وُلدت في فترة تاريخية لم تكن فيها دولة اسمها اسرائيل في العالم، بينما كانت توجد دولة اسمها فلسطين، يعيش فيها فلسطينيون مسلمون بنسبة عالية (حوالى 80%) ومسيحيون (حوالى 15%) ونسبة ضئيلة من اليهود (حوالى 5%). كانوا جميعا يعيشون في وئام وسلام، يمارسون حياتهم بمقتضى عاداتهم وتقاليدهم، وشعائر دينهم في كنائسهم، وكُنُسِهم، ومساجدهم، كما هو الحال في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة في تلك الحقبة.

 

·       منذ بداية الـ 1800 ظهرت حركة سياسية كان لها تأثير قوي وسلبي على بلادنا، وتأثير مدمّر على منطقة الشرق الأوسط، وخطير على العالم أجمع... قليل منّا يعرف هذه الحركة أو شيئا عنها ... أعني "الصهيونية السياسية"، التي كان هدفها إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين،

 

·       أن الأمريكيون في تلك الفترة -وحتى الان- يجهلون هذه الحركة وما هي أهدافها.

 

·       في بدايات الـ 1900 شرعت الحركة الصهيونية في إنشاء منظمات كبيرة في المدن الأمريكية مثل: نيويورك ، وشيكاجو، وبوسطن، وفيلادلفيا، وكليفلند، وكانت كلها تشجع هذه الايدولوجية . و في عام 1910 زاد عدد المنتمين إلى المنظمات الصهيونية في امريكا ليصل إلى عشرين الف صهيوني. وصاروا يلاحقون الشخصيات المؤثرة في المجتمع من المحامين، والأكاديميين، ورجال الأعمال، وأعضاء الكونجرس، من اجل تجنيدهم لخدمة أهداف الصهيونية، حتى بلغ عدد الصهاينة سنة 1948 في امريكا 200 الف صهيوني .

 

·       وقد وجد رجال السياسة من كلا الحزبين (الجمهوري/المحافظون والديمقراطي/الليبراليون) أن الصهاينة يقدمون لهم التبرعات بسخاء لتمويل حملاتهم الانتخابية، ويمنحونهم أصواتهم في الانتخابات. وأنهم يتفقون مع سياسة امريكا ونواياها تجاه العالم وخاصة في منطقة الشرق الاوسط. وبذلك فقد حظيت الحركة الصهيونية بدعم امريكي كبير من اجل انشاء وطن قومي لهم في فلسطين. وقد عنت المنظمات الصهيونية بصفة خاصة بملاحقة الطوائف المسيحية في امريكا، من اجل تجنيدهم لدعم اللوبي الصهيوني .

 

وتضيف السيدة "أليسون وير" معلومات هامة وموثّقة في سياق الدور الحاسم لهذه المنظمات في التأثير على القرار الأمريكي بالدخول في الحرب الكونية بجانب بريطانيا، كانت هي ما زاد اهتمامي بما أوردَته في هذا المقطع، خاصة وأن كل المعلومات التي أوردتها كانت مدعومة بمصادرها الأصلية، وأسماء شخصياتها، (التي تحققت من صحتها ببحثي الخاص للتأكد من صحة المعلومات):

 

·       تقول أنها وجدت أن المنظمات الصهيونية لعبت دورا كبيرا في تحريض أمريكا على المشاركة في الحرب العالمية الاولى، بالرغم من أن أمريكا (في ذلك الزمان)كانت تنتهج سياسة الابتعاد عن الصراعات المسلحة، والتدخل العسكري في صراعات خارجية، لا شأن لها بها.

 

·       أن المنظمات الصهيونية في بريطانيا اتصلت بالحكومة البريطانية -عن طريق الشخصية الصهيونية المشهورة والوثيقة الاتصال بدوائر النفوذ في بريطانيا "حاييم وايزمان" (انتخب لاحقا كأول رئيس لدولة اسرائيل سنة 1949) - عارضة ضمان مساعدة أمريكا لبريطانيا في حربها الضروس ضد ألمانيا وحلفاؤها (الحرب العالمية الأولى - 1914)، في صفقة ستتمكن بموجبها المنظمات الصهيونية من استصدار وعد بلفور (1917) من بريطانيا.... وتضيف بأنه لم تكن بريطانيا وفرنسا فقط من لهما الدور الرئيس في كتابته، و انما امريكا ايضا. وتتوقف المتحدثة عند هذه النقطة تحديدا لتركّز على أن حليف ألمانيا في تلك الحرب كانت الامبراطورية العثمانية، التي كانت فلسطين تخضع لسيادتها. ثم تستمر في القول بأنهم قد نجحوا بالفعل في الوفاء بوعدهم للحكومة البريطانية، عن طريق تأثير الشخصية الصهيونية الأمريكية "لويس برانديز" (أستاذ جامعي، وقاضي، وسياسي أمريكي يهودي)، الذي كان صديقا مقرباً من الرئيس الأمريكي في تلك الآونة "وودرو ويلسون"، ومحل ثقته، والداعم الأساسي لحملته الانتخابية، وله تأثير قوي على قراراته ...

 

·       قدمت كذلك نبذة عن المنظمات الإرهابية التي كانت تروّع الفلسطينيين لإجلائهم من ديارهم، وسمّت عصابتي "إيرغون" و"شتيرن" التي كان يتزعمها من صارا لاحقا رئيسي وزارة بعد قيام دولة اسرائيل (مناحيم بيجن، وإسحاق شامير)، وتناولت الجرائم التي كانت ترتكبها هذه العصابات الارهابية بحق الفلسطينيين العزّل.

 

·       تحدثت كذلك عن واحدة من أهم المنظمات الإخوانية الصهيونية السرية المعروفة بأخوّة "باروشيم"(Parushim) (1915). وقدمت تفاصيل عن طقوس الإنضمام لهذه "الأخوّة"، والتي يتضمن قَسَم التكريس للمنظمّ إليها أن يُقدِّم المنتسِب ولاءه لهذه الأخوّة على ولاءه لأسرته، ولمهنته، ولجنسيته، إلى أن تحقق أهدافها. وأن هذه  "الإخوانية"كانت تضم من بين أعضاءها شخصيات من عُلية القوم من شتى المناصب الرفيعة والكفاءات العالية، والمتنفّذة اجتماعيا وسياسيّا واقتصادياً ...

 

·       تناولت كذلك شخصية غاية في الأهمية، قالت أنها لم تجد اسمه الأول في أي من الكتب التي ذُكر فيها!! وأنه كانت تتم الإشارة إليه فقط بـ "الراباي مورف"، الذي كان من زعماء عصابة "إيرغون" الإرهابية، وعضو فاعل في إحدى خلاياها السرية في باريس، وأنها لم تتمكن من التعرف على اسمه الأول "باروخ" إلا من ملفات الأمم المتحدة. ... والمذهل في هذه المعلومة هو أن هذا الشخص صار لاحقاً صديقا مقرباً من الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ومحل ثقته، ومؤثر في قراراته السياسية. ومثبت أيضاً أن الرئيس نيكسون كان من فرط الحميمية التي بينهما يناديه بـ "رِبّــيــي" (My Rabbi)، ويعرف الآن في المصادر التاريخية بـ "رِبّـي الرئيس نيكسون"!!

 

·       تحدثت كذلك عن مجلس الطوارئ الصهيوني الأمريكي (AZEC) الذي يُعد المُمهِّد لقيام اللوبي الإسرائيلي المتنفّذ حاليّاً في أمريكا، وميزانياته الكبيرة والمتزايدة عبر سنين قصيرة (من نصف مليون دولار سنة 1943 إلى 150 مليون دولار سنة 1948) ، وقالت أن المبلغ الأخير تضاهي قيمته التريليون دولار في وقتنا الحاضر ... كان هذا اللوبي يسخّر هذه الميزانيات الضخمة للتأثير في السياسة الأمريكية بشتّى السُبُل. وأنه استهدف بصفة خاصة الطوائف المسيحية الأمريكية لتتبنّي الفكر الصهيوني ...

 

·       لم يفُت السيدة "أليسون وير" أن تؤكد على أن اليهود الأمريكيون لم يكونوا كلهم صهاينة أو مؤيدون للصهيونية وأفكارها وأهدافها، بل أن الصهاينة كانوا يشكلون أقلية.

 

·       كما بيّنت أنه كانت هناك معارضة شديدة من قِبَل قطاعات واسعة من المجتمع الأمريكي لتوجّه الحركة الصهيونية، من بينهم إعلاميون مرموقون، ورجال سياسة وفكر، ورجال دين عارضوها على أسس دينية، ذكرت عددا منهم بالإسم والمنصب.

 

·       وأبدت استغرابها من أن كل هذه المعلومات متوفرة لأي باحث، ولها أثر مطبوع يمكن تقفّيه، يشمل محاضر جلسات ومذكرات داخلية ... الخ ... وزادت أن كل ذلك جرى في تاريخ أمريكا غير البعيد، ولكن أحدا لا يتناوله أو يسلط الضوء عليه !!

 

عند سماعي للفقرة الأخيرة خفّ شعوري بالخجل من نفسي، فلسنا وحدنا المغيّبون عن واقع هذه القضيّة وأسرار خلفياتها، بل تشاركنا في ذلك الشعب الأغلبية العظمى من الأمريكي بأكمله !! وهو ما يزيد الأمر غموضاً !!!

في الختام:

هذا النقل من مقطع الفيديو هو اجتهاد شخصي مني، وليس ترجمة حرفية.

 الفيديوعلى يوتيوب:

 كيف وظف اليهود أمريكا لتأسيس إسرائيل

لسيدة "أليسون وير" هي أيضاً رئيسة هيئة أمريكية أخرى تدعى (Council for National Interest) أو ("CNI") ، وتعني "مجلس المصلحة الوطنية"، وهي هيئة غير ربحية، وغير حزبية، أسسها سنة 1989 اثنان من رجال الكونغرس السابقين، هما بول فيندلي  Paul Findley  وبول ماكلوسكي Paul McCloskey. . من أجل الدفاع عن السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط بما يتفق مع مصالح الأميركيين، وليس بما يتفق مع مصالح القوى الأجنبية.

 

 

 

(2 من 6)

كتابٌ صغير حجمه، زهيد ثمنه*، عظيمة قيمته ...

(هشام بن غلبون)

سبتمبر 2020

 

ااستلمت اليوم من موقع "أمازون" كتاب الناشطة والكاتبة الأمريكية "أليسون وير"، الذي يُميط اللثام عن كيف استُخدمت الولايات المتحدة الأمريكية في إنشاء إسرائيل. وقد لفت انتباهي منذ البداية أن أكثر من نصف الكتاب يحيل على مصادر الأدلة الدامغة والبراهين القاطعة التي تثبت صحة دعواها بأن الحركة الصهيونية قد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية في إنشاء دولة اسرائيل، فلم تأخذ النصوص التي كتبتها المؤلفة سوى 93 صفحة فقط من عدد صفحاته البالغة 241 صفحة. أما باقي صفحات الكتاب فقد خصصتها لـ "البيبليوجرافيا" التي تضمنت قوائم الوثائق القاطعة والمصادر التي لا ترقى إليها الشبهات. هذا ما جعل من الكتاب عملاً توثيقياً فريداً من نوعه، يمكن لأي باحث أو مهتم الإستناد عليه لإقامة حجته، أو الانطلاق منه نحو مزيد من البحث والتقصّي في هذا الموضوع الهام والخطير.

 

 
Against Our Better Judgment
By: Alison Weir

 

كذلك لفت انتباهي إرجاع حقوق النشر والتأليف لمؤلفته السيدة أليسون وير، وخلوّه من أي إشارة إلى دار نشر!

 

يقدم الكتاب أمثلة كثيرة -جميعها موثّقة- على الأساليب التي اتبعتها -ولا تزال- المنظمات الصهيونية المتحكّمة في الولايات المتحدة لتحقيق مآربها، والتي تقدّم مصلحة اسرائيل على مصالح أمريكا نفسها، والتي تتراوح بين أساليب "الترغيب" بشتّى أنواعه و "الترهيب" بأبشع صوره ...

 

وقد شجعني على الاهتمام بهذا الكتاب وأخذه على محمل الجدّ، واتخاذه مصدراً أثق بما جاء فيه، خلوّه من العنصرية العرقية أو الدينية، أو الترويج للكراهية والعنف. ويحسب له نجاح كاتبته في الفصل الدقيق بين "الحركة الصهيونية" -ذات الأهداف السياسية - وبين "الديانة اليهودية". وتفريقها الحاسم بين "اليهود" و"الصهاينة". ومعلوم أن تهمة "معاداة السامية" صارت سلاحاً قاتلاً لمستقبل أي سياسي أو مثقف أو ناشط حقوقي، ترميها المنظمات الصهيونية بمهارة فائقة وقسوة منقطعة النظير لتحطيم كل من يعترض طريق مخططاتها، حتى صار مجرّد الاشتباه في كون شخص ما ينطوي على مشاعر "معاداة للسامية" كفيل بإنهائه تماماً وابعاده من المشهد... والأمثلة على ذلك كثيرة لعلي أعود وأسوق بعضها في مناسبة لاحقة.

 

كنت أنوي التعريف بالكتاب باللغة العربية، ولكنني وجدت من سبقني إلى ذلك فكفاني الأمر بلغة وأسلوب يفوق قدراتي وإمكانياتي، ويمكن الاطلاع على التعريف كاملاً على موقع "الميادين نت" باتباع هذا الرابط:

 التاريخ الخفي لاستخدام الولايات المتحدة لإنشاء إسرائيل .

الكاتب: د. زياد الحافظ (**)، (ترجمة: ميرفت السباعي).

 

سأدرج هنا مقتطفات من هذا التقديم الرائع للتشويق والحث على قراءة التقديم كاملاً:

 

·       إن مضمون الكتاب هو على الأرجح وراء عدم اكتراث دُور النشر بنشره، لدقة المعلومات الموثقة والصادمة التي وردت فيه حول السلوك اللاشرعي، بل الإجرامي للحركة الصهيونية في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وبالطبع في فلسطين حيث اتسم بالرياء والوقاحة.

 

·       هذا الكتاب يظهر كيف ان الأميركيين الصهاينة الموالين لإسرائيل تلاعبوا بالدولة والإعلام من أجل تعزيز مصالح إسرائيل على حساب مصالح ومُثُل الولايات المتحدة الأميركية.

 

·       استخدمت الكاتبة بيبلوغرافيا في غاية الروعة، من أهمها استخدام الباحثين اليهود الأميركيين، والصهاينة من الأميركيين والباحثين الإسرائيليين لتوثيق عمل الكاتبة.

 

·       سوف يتعرف القارئ على حقائق مدفونة في غياهب الكتب كما في أعمال معروفة مثل السير الذاتية لشخصيات صهيونية معروفة، مثل مذكرات زعماء سياسيين، وأبحاث معترف بها دولياً، تفاجئ القارئ عندما يعلم بالتواطؤ بين الزعماء الصهاينة في فلسطين والولايات المتحدة مع شخصيات نازية قبل وخلال الحرب العالمية الثانية (الفصل 6).

 

·       من المروع على وجه الخصوص، الاستخفاف الذي أظهره الزعماء الصهاينة في منع الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت وزعماء غربيين آخرين من توفير ملاذ آمن لليهود الفارين من بلاد تقبع تحت الحكم النازي (الصفحة 29). لقد عملوا على التضحية باليهود عمداً من أجل استغلال هذا الأمر كابتزاز أخلاقي لزعماء الغرب لدعم وحماية اسرائيل.

 

يتوجه الكتاب الى القراء الأميركيين، وهو جزء من محاولة لتثقيف الرأي العام الأميركي حول الأكاذيب والخداع من قبل الأميركيين الصهاينة والمدافعين عن إسرائيل في داخل أروقة الكونغرس وفي الإعلام والمؤسسات الأكاديمية، وكيف جري استغلال الولايات المتحدة الأميركية في إقامة إسرائيل. لذلك فإن المادة البحثية التي يحتوي عليها هذا الكتاب تجعل منه أداة لا غنى عنها بالنسبة لأي باحث في الأسباب الجذرية لاضطرابات الشرق الأوسط. فقد توغلت المؤلفة عميقاً في بحثها في تاريخ الصهيونية في العالم بشكل عام وفي الولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص.

 

·         تتبنى الكاتبة أسلوب رواية تاريخية تحليلية واصفة بإيجاز وبأسلوب فعّال ظهور اللوبي الصهيوني الأميركي. مما يسلط الضوء على دور "ماكس نورداي" و "لويس برانديس" و "فليكس فرانكفورتر" بين آخرين في تأسيس وتنظيم وترويج الصهيونية بين النخبة الأميركية. بداية، لم يكن الأميركيون اليهود متأثرين بالصهيونية وكان لديهم بالدرجة الأولى شعور بالانتماء للولايات المتحدة الأميركية. تنقل الكاتبة عن زعماء الصهيونية الذين شجبوا ما اعتبروه بأنها مشكلة تواجههم مع اليهود الأميركيين قولهم "إن الأميركي اليهودي  يعتبر نفسه أولاً وقبل كل شيء مواطناً أميركياً... ولاؤه لأميركا هو شعاره الأعلى"(الصفحة 36، التعليق الختامي 145).

 

بعد تأسيس اللوبي الصهيوني والنجاح في إلحاق اليهود بالصهيونية بوسائل التلقين والتملق والتهديد، تمكنت المنظمات الصهيونية المختلفة في الولايات المتحدة من إحكام قبضتها على الإعلام في الولايات المتحدة الامريكية. وتنقل الباحثة عن الكاتب ريتشارد ستيفنز قوله: "منذ عهد بعيد، تعلم الصهاينة كيفية استغلال الطبيعة الجوهرية للنظام السياسي الأميركي حيث أن الضغط الذي يمارس من قبل الرأي العام يمكن أن يؤدي الى إقرار السياسات أو عدم إقرارها. إن احد مكونات نجاحهم الرئيسية هي حصولهم على النفوذ في الإعلام، سواء المدفوع وغير المدفوع (الصفحة 85 والتعليق الختامي رقم 340)

 

(*) زياد حافظ، أمين عام المؤتمر القومي العربي، و عضو مجلس الأمناء لمركز دراسات الوحدة العربية. باحث واقتصادي لبناني. حائز على شهادة دكتوراه دولة في الاقتصاد من جامعة القديس يوسف من بيروت التابعة لجامعة ليون في فرنسا.

 

(*) ثمن الكتاب في موقع أمازون Ł5.95

 

 
 

 

(3 من 6)

ضحايا الصهيونية العالمية

(أوجه الشبه بين حالة يهود ليبيا ويهود العراق)   

(هشام بن غلبون)

ديسمبر 2020

 

في رسالة مفتوحة إلى رئيس جالية اليهود الليبيين في بريطانيا، أفردت لها صحيفة "الحياة" اللندنية صفحة كاملة في عددها الصادر في 09 يناير 2006 تحت عنوان "المنظمات الصهيونية تسعى للسيطرة على ليبيا بعد تسوية القضية الفلسطينية"[1]، وجّه الشيخ محمد بن غلبون اصبع الاتهام للمنظمات الصهيونية بافتعال الأحداث الدموية سنة 1945 وسنة 1948 في ليبيا لدفع اليهود الليبيين إلى مغادرة أرض أجدادهم والرحيل إلى فلسطين لاستعمارها بعد إخراج أهلها منها بقوة السلاح المدعوم بالنفوذ السياسي العالمي الذي اكتسبته -بشتى الوسائل- في الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة، وفي معظم الدول الأوربية المثقلة ضمائرها بالذنب والعار من مشاركتها أو صمْتها عمّا عاناه مواطنيها اليهود من تمييز عنصري وقهر وظلم واضطهاد لا زال يُضرب ببشاعته المثل حتى يومنا هذا ولا يمكن للكلمات أن تصفه أو للتاريخ أن ينساه.

 

وقد استند الشيخ محمد في ذلك الاتهام الصريح على بحث مكثف وقراءة دقيقة في تقارير الإدارة البريطانية التي كانت تحكم ليبيا عند اندلاع تلك الأحداث المؤسفة، والتي يُفرِج عنها مكتب الأرشيف الوطني البريطاني بعد 30 أو 50 سنة من تاريخها، والتي سبق وأن نشر عدد منها في عدة حلقات في ذات الصحيفة في شهر سبتمبر 1997، كان آخرها بعنوان "تقارير الشرطة اكدت وجود اتصالات شجعت اليهود على الشغب" [2]، وثّق من خلالها براءة الشعب الليبي من المسؤولية الإنسانية والتاريخية والقانونية عن تلك الاحداث المروّعة، والتي سقط فيها ضحايا كُثُر من أبناء الشعب الليبي اليهود والمسلمين. وكان ذلك استنتاجاً موفقا مميزّاً غير مسبوق في هذه القضية الحساسة، التي كان حتى ذلك الوقت يكتنفها الغموض بسبب ندرة المعلومات الموثّقة التي تغطيها بحياد.

 

ما ذكّرني بتلك الدراسة التوثيقية هو ما اطّلعت عليه مؤخراً في كتاب "ضد حكمنا الأفضل: التاريخ الخفي لكيفية استخدام الولايات المتحدة لإنشاء إسرائيل"، للناشطة والكاتبة الأمريكية "أليسون وير" (والذي سبق وأن تناولته في أكثر من مناسبة)، بتنفيذ منهج مماثل، ووقوع أحداث مشابهة في نفس تلك الفترة الزمنية في العراق، لتحقيق ذات الغاية؛ وهي "إجبار" يهود العراق على الرحيل إلى فلسطين لزيادة تعداد السكان اليهود فيها، وتوثيق هذا الكتاب لذلك من مصادر علنية لا ترقى إليها شبهة ولا شك، فهي تنقل عن شهود عيان في معظم الأحيان. وقد استوقفني التشابه بين الموقف المبدئي لأغلبية يهود كِلا الشعبين برفض الفكرة من الأساس، وتمسكهم بأوطانهم التي عاشوا فيها لمئات السنين، وفي بعض الحالات منذ ما قبل الميلاد. فتنقل المصادر عن الحاخام الأكبر في العراق آنذاك ساسون خدوري، تصريحه بأن: ((يهود العراق سيظلون إلى الأبد ضد الصهيونية)). وقوله إن ((العرب واليهود يتمتعون بنفس الحقوق والامتيازات منذ 1000 عام، ولا يعتبرون أنفسهم جزءًا مختلفا من هذه الأمة)). كما تنقل عن الكاتب والعميل السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)"ويلبر كراين إيفلاند" قوله: بأن ((الصهاينة عملوا على تغيير ذلك من خلال مهاجمة اليهود العراقيين سراً لحملهم على "الفرار" إلى إسرائيل. فقاموا بزرع القنابل في المعابد اليهودية، وفي مكتبة خدمات المعلومات الأمريكية في العراق" في محاولات لتصوير العراقيين على أنهم معادون لأمريكا، وكذلك بهدف ترويع اليهود...))، ويضيف إيفلاند بأن الصهاينة أعقبوا تلك الأعمال الإرهابية بتوزيع المنشورات التي تحثهم على "اللجوء" إلى إسرائيل، وأن معظم العالم قد صدّق بأن الإرهاب العربي هو ما حفّز اليهود العراقيين إلى الهروب إلى إسرائيل بفضل انقاذ الصهيونية لهم.

ولعل أكثر ما وثّقته مصادر هذا الكتاب إثارةً للدهشة هو وصف "نعيم جلعادي"، وهو كاتب يهودي عراقي عاش لاحقًا في إسرائيل والولايات المتحدة، لهذا البرنامج من الداخل قائلاً: ((أكتب عما أسماه رئيس وزراء إسرائيل الأول "الصهيونية القاسية")). وزاد إنني ((أكتب عنها لأنني كنت جزءًا منها)). ثم أضاف: إن ((يهود الدول الإسلامية لم يهاجروا طوعا إلى إسرائيل)). وكتب أيضاً أنه من أجل ((إجبارهم على المغادرة، قَتَل اليهودُ اليهودَ)).

 

وقد نسبت الكاتبة اليهودية المرموقة "ماريُن وولفسُن"، في كتابها "أنبياء في بابل: يهود في العالم العربي" الصادر سنة 1980، والذي بيّنت فيه أن "معاداة السامية" هي في الواقع ((ظاهرة أوروبية ومسيحية بحتة، وأنها لم تكن موجودة في العالم العربي قبل تسلل الأوروبيين إلى الشرق الأوسط في القرن التاسع عشر)). نسبت ((التدهور المفاجئ للعلاقات العربية اليهودية في القرن العشرين إلى النشاطات الصهيونية، وخاصة الاستعمار اليهودي لفلسطين، والدعاية الصهيونية)). ويعدّ هذا الكتاب، هو الآخر، من أهم المراجع في هذا الشأن.

 

تقول السيدة "ماريُن وولفسُن" في الفصل السابع من هذا الكتاب (نقلا عن صحيفة جويش أوت لوك الصادرة في مايو 1956) مايلي:

((ليبيا هي المثل الأسوأ للضرر الذي سببته السلطات العسكرية [البريطانية] ومبشرو الصهيونية، والذين بدَوا وكأنهم وحّدوا جهودهم لتحويل البلاد - حيث يعيش المسلمون واليهود في وئام منذ أجيال - الى فلسطين اخرى. فبعد التحرير بدا أن الجنود من يهود فلسطين [في الجيش البريطاني] الموجودين هناك يشغلون كل أوقات فراغهم وراحتهم في الدعاية للصهيونية، وفى تنظيمات شبيبة الكشافة الصهيونية شبه العسكرية، وكانوا يجوبون الشوارع بصورة استفزازية مرددين الأناشيد الصهيونية. وقد أدت كثرة الطعام والملابس التي وفرها هؤلاء الجنود إلى جذب اهتمام السكان اليهود، الذين عانوا كثيرا من جراء شراسة وهمجية دول المحور، أكثر من الدعاية الصهيونية، ولكن الجمع بين الامرين كان طُعماً يصعب مقاومته، وخاصة لجيل صغار السن)) ..... (انتهى الاقتباس من الكتاب)

وقد كان نشاط الحركة الصهيونية في البلدين حثيثاً، ويستهدف الشباب بصفة خاصة ويشحنهم بشعارات قومية استفزازية للمجتمعات التي نشأوا فيها -كجزءٍ من نسيجها وليس كجسمٍ غريبٍ عنها- فدأبت، على سبيل المثال في ليبيا، على إنشاء تجمعات شبيبة هرتزل الصهيونية، والنوادي الرياضية كغطاء لتغرس من خلالها فيهم مبادئ الصهيونية -السياسية- وتزين في عقولهم فكرة الهجرة إلى "أرض الميعاد"

ولم تتوقف هذه الحملات قبل أن تحقق المنظمات الصهيونية أهدافها بعزل اليهود عن مجتمعاتهم، وجعلهم في موضع الريبة والشك نتيجة ازدواجية ولائهم لدولة ترتكب المجازر، وتمارس القهر والتطهير العرقي على الشعب الفلسطيني. ففقد اليهود وضعهم في بلدانهم، ودبّ التوجّس وتولدت العداوات والحزازات والضغائن بين مكونات الشعب الواحد، وسالت الدماء وسقط الضحايا..... وذلك تحديداً ما كانت تصبوا إليه الحركة الصهيونية في البلدين.

 

 

حلقة هرتزل الصهيونية في بنغازي خلال الأربعينات [3]

 

أعضاء جمعية الشباب الصهاينة – طرابلس [2]

 

 

---------------------------------------

.هجرة يهود ليبيا كما وردت في الوثائق (libyanconstitutionalunion.org)

] الصورة من كتاب المؤرخ اليهودي رينزو دي فيليشي "يهود في بلاد عربية"

[2] الصورة من المكتبة الوطنية الاسرائيلية

هجرة يهود ليبيا كما وردت في الوثائق (libyanconstitutionalunion.org)

 

 

(4 من 6)

سلاح "معاداة السامية"

قصة أول وأشهر صحافية أمريكية تُلطّخ بوصفها "معادية للسامية"

(بقلم: هشام بن غلبون)

 

لن أضيف جديدا إن قلت إنّ المنظمات الصهيونية ابتدعت منذ نهاية القرن التاسع عشر سلاحاً فتاكاً أثبت قوته وتنامت خطورته على مدى العقود التالية. تم إنتاجه من رحِم مأساة اليهود عندما تعرضوا للاضطهاد والتمييز العنصري في أوروبا، وصل ذروة وحشيته بما قاسوه على يد ألمانيا النازية. وظلت هذه المنظمات تستخدمه بشراسة وقسوة منقطعة النظير لتركيع خصومها، أو إنهائهم إن لم ينصاعوا لمخططاتها وبرامجها.

والتاريخ حافل بالأمثلة الصارخة الشاهدة على ذلك. وذعر السياسيين -تحديدا- من مجرد أن تحوم حولهم أية شبهة بذلك، نراه رأي العين بصفة شبه يومية في نشرات الأخبار ووسائل الاعلام. وهذا الذعر لا يقتصر على أهل السياسة فحسب، بل يتعداهم ليشمل مجالات الفن والأدب والتاريخ والصحافة، وكل مناشط الحياة المتميّزة.

 

ما دفعني إلى تناول هذا الموضوع -المسموم- هو ما اطلعت عليه مؤخراً في الفصل السادس عشر من كتاب "ضد حكمنا الأفضل" للناشطة الأمريكية، ومُنشِئة مؤسَسة وموقع "لو علِم الأمريكيون"، السيدة "أليسون وير"، الذي أفرغَته لإحدى أوائل ضحايا هذا السلاح، وهي الصحافية ذائعة الصيت في ذلك الزمان "دوروثي تومبسون"، التي تصنفها "دائرة المعارف البريطانية encyclopaedia Britannica"، بأنها كانت "واحدة من أشهر الصحافيين في القرن العشرين". والتي وصلت شهرتها إلى أن تصدّرت غلاف عدد مجلة "تايم" الأمريكية الصادر في 12 يونية سنة 1939، وتصفها المجلة بأنها المرأة الأكثر تأثيراً في الولايات المتحدة الأمريكية بعد "إيلانور روزفيلت" زوجة الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت "فرانكلين روزفيلت". فقد كان عمود السيدة تومبسون يُنشر في الصحف في جميع أنحاء البلاد، ويستمع لبرنامجها الإذاعي عشرات الملايين من الأمريكيين. وكتبت عن سيرتها أهم المجلات الأمريكية، ووصلت بها الشهرة الجماهيرية إلى حد أن فيلم هوليوود "امرأة العام"، الذي ضم النجمة السينمائية "كاثرين هيبورن" والنجم "سبنسر تريسي"؛ وكذلك مسرحية برودواي من بطولة لورين باكال، كانت مبنية على شخصيتها.

 

 

العجيب في هذه القصة هو أن دوروثي تومبسون كانت من أشد أنصار الصهيونية، والمروجين لنشاطها، والمتعاطفين مع اليهود لما كانوا يتعرضون له من اضطهاد وتمييز عنصري في أوروبا، ونادت بتخفيف قيود الهجرة إلى أمريكا لتكون ملجأً آمناً لليهود المضطهدين في أوروبا. وكانت تُعدّ من أكثر المتحدثين المؤازرين للصهيونيين تأثيراً في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي من دقت ناقوس الخطر ضد النازيين قبل معظم الصحفيين الآخرين بفترة طويلة، ومن أوائل من لفتوا الانتباه إلى شر وخطورة الزعيم النازي "أدولف هتلر" بعد أن أجرت معه لقاءً صحافياً، وقتما كان زعيماً للحزب النازي ولم يشغل بعد منصب رئيس ألمانيا. وقد وصفته بالشخصية المضطربة التي يخيل لك أنك جالس أمام شخصية كاريكاتورية، وأنه رجل ثرثار، يبدو وكأنه هيكل غضروفي بلا عظام. وتسببت كتاباتها ضد هتلر والنازية لأن تكون أول صحفية تطرد من ألمانيا النازية.

 

ولكن كل ذلك تغير في عام 1945، بعد أن قامت برحلة إلى فلسطين لتقصّي الحقائق على أرض الواقع، وقفت فيها على المأساة الإنسانية التي كان يتعرض لها اللاجئون الفلسطينيون، وشهدت على ما تعرضوا له من قتل وتشريد وقهر على أيدي العصابات الإرهابية الصهيونية. ووقفت كذلك على زيف وأكاذيب الدعاية الصهيونية التي صدّقتها وناصرتها بقوة في السابق، واكتشفت أن الصهيونية لم تكن "الحملة الليبرالية التي كان يصورها القادة الصهاينة". كل ذلك غيّر نظرتها بالكامل، فبدأت تكتب بأن التأسيس المقترح لدولة إسرائيل كان معادلة للكارثة، وأنه "وصفةٌ لحربٍ دائمة" في الشرق الأوسط. فأدانت الإرهاب الصهيوني، وبدأت تتحدث عن اللاجئين الفلسطينيين. وفي سنة 1950 روت فيلمًا وثائقيًا عن محنتهم بعنوان "رمال الحزن"، من انتاج "المجلس الأمريكي لإغاثة الفلسطينيين"، كان أول عمل وثائقي دولي يهتم بقضيتهم ويسلط الضوء على معاناتهم.

 

دوروثي تومسن

"فقط عندما نتحرر من الخوف نبدأ في العيش"

 

* * * * *

 

ما يلي مقتطفات عن محنة هذه الصحفية، منقولة من هذا الكتاب القيّم الذي سبق وأن قدمْته، ووصفْته بأنه "كتاب صغير حجمه، زهيد ثمنه، عظيمة قيمته"، وأضيف الآن -بلا تردد- وصفه بـأنه "كنز" معلوماتي لا يقدّر بثمن. وقد عززتها بمعلومات إضافية من مصادر غيره.

وأعترف بأنني لم أسمع قبلها بالصحفية "دوروثي تومبسون" بطلة (أو بالأحرى ضحية) هذه القصة الحزينة، ولكنني شعرت بأن أضعف الإيمان هو محاولة التعريف بها وإيفائها بعضاً من حقها شكراً لها على ذلك الموقف الإنساني العظيم، وتلك التضحية باهظة الثمن.

 

تقول السيدة أليسون وير في كتابها (وسألتزم بالترجمة بدون تصرف في الصياغة):

 

حاولت أشهر صحفية أمريكية في ذلك الوقت، ببسالة، ولكن دون جدوى، إخبار الأمريكيين عن اللاجئين الفلسطينيين، فتعرضت لهجوم شرس في حملة منظمة لما أسمته "الاغتيال الوظيفي" و "اغتيال الشخصية". فكتبت: "لقد كان الدخول في حياتي الشخصية، بلا حدود".... ثم زادت عن هذا الهجوم المنظم: "عندما يتم صياغة رسالة تلو الأخرى بعبارات تكاد تكون متطابقة، لا أعتقد أن كتّاب هذه الرسائل يمتلكون موهبة توارد الخواطر"!!!

فكان أن أسقطتها صحيفة "نيويورك بوست"، التي قال عدد من محرريها بأن رئيس تحريرها، تيد ثاكري، وزوجته دوروثي شيف (حفيدة مالك الصحيفة، الخبير المالي جاكوب شيف) كانا "قريبين جدًا من "الإرغون" ومن "مناحيم بيغن". ووفقًا لأحد المعلقين فقد كان لبيغن والإرغون، وعصابة شتيرن، والمنظمات الصهيونية الأخرى، "مدخلاً مفرطًا" إلى هيئة تحرير الصحيفة.

 

امتلأ بريد طومسون بالاتهامات الشرسة بأنها "معادية للسامية" بسبب نشرها للأعمال الوحشية الصهيونية. وقد أخبرها أحد هؤلاء المراسلين بأن يهود نيويورك لن يتسامحوا مع "تحريضاتها القذرة على المذابح" ... ولم يمض وقت طويل حتى تلاشى عمودها، وبرامجها الإذاعية، وارتباطاتها الخطابية، وشهرتها..... وهي اليوم، قد تم محوها إلى حد كبير من التاريخ!!!

 

وبنفس الكيفية، تم في العقود التالية إخراج أمريكيين آخرين من التاريخ، أُجبروا على ترك مناصبهم، ودُمرت حياتهم ومهنهم؛ وتم تشويه سيرتهم، ومحوها وإعادة كتابتها بدافع الترويج للتعصب الأعمى، واستبدال الحقائق بأخرى مزورة.

 

قلة قليلة من الناس يعرفون هذا التاريخ. فالكتب الممتازة التي توثق ما حدث قد نفدت إلى حد كبير، ولم تعاد طباعتها. فوجودها والحقائق التي احتوتها غير معروفة فعليًا للغالبية العظمى من الأمريكيين، بما فيهم أولئك الذين يركزون على الشرق الأوسط. وبدلاً من ذلك، تم نشر نظريات زائفة، والترويج لتحليلات كاذبة، وذاع صيت المؤلفين المختارين، بينما قُذف الآخرون في طي النسيان.

 

تختم السيدة أليسون وير هذا الفصل، والكتاب، بهذا الاقتباس من رواية "جورج أورويل" "1984":

كتب جورج أورويل ذات مرة:

"من يتحكم بالماضي يسيطر على المستقبل: ومن يسيطر على الحاضر يتحكم في الماضي".

 

ربما من خلال إعادة اكتشاف الماضي، سنتمكن من التحكم في الحاضر فننقذ المستقبل.

 

 

(5 من 6)

وزارة الخارجية الأمريكية عارضت إنشاء إسرائيل!!!

(هشام بن غلبون)

 

قادني اهتمامي في الآونة الأخيرة بموضوع "الصهيونية" السياسية في أمريكا؛ نشأتها، وتطوّرها، والغموض الذي يكتنفها، والتناقض الذي يحيط بها، والأهم من كل ذلك وتحديدا بسط نفوذها، ثم سيطرتها على القرار الأمريكي فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، قادني إلى البحث والتقصّي لمحاولة إيجاد إجابات لأسئلة طالما راودتني واستعصى عليّ فهمها. فوجدت إجابات على كثير منها، ولكن، والأهم من ذلك، أنها دفعتني إلى طرح مزيد من الأسئلة التي لم تكن تتوفر لديّ المعلومات الكافية لجعلها تخطر ببالي فأبحث لها عن إجابات تجعل المشهد أكثر وضوحاً. وأثناء ذلك عثرت على معلومات عميقة بعضها مذهل، وبعضها خطير جداً، حيث انها قدمت لي صورة فسّرت لي كثيراً مما عايشته وراقبته ولم أفهمه بطريقة تضع الأمور في نصابها، فأماطت اللثام وانقشع الغبش عن المشهد بأكمله.

 

فعلى سبيل المثال، أنا ابن جيل فتح عينيه على انحياز الولايات المتحدة الأمريكية الكامل لصالح إسرائيل بلا قيد أو شرط، ظالمةً كانت أو مظلومة. وقد عايشت مواقف وأزمات كثيرة كانت إسرائيل تمارس فيها الظُلم وانتهاك حقوق الآخرين (الفلسطينيين) بما يتنافى مع القِيَم الأساسية السامية التي نشأت عليها الجمهورية الأمريكية، والتي تُعدّ من المقدسات في دُستورها!!! فإسرائيل ترتكب هذه الانتهاكات بوحشية ووضوح يستفزّ حتى أشد حلفاؤها، لدرجة تصل إلى إدانته في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لتسارع أمريكا باستعمال حق النقض (الفيتو) عندما يتم التصويت عليه في مجلس الأمن!!! (وصل عدد المرات التي استعملت فيها أمريكا الفيتو في شهر ديسمبر 2017 إلى 43 مرة عندما منعت قراراً يرفض إعلان الرئيس ترامب القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها من تل أبيب !!). والأغرب من ذلك أن المواطن الأمريكي (الذي هو في مجمله إنسان مُتحضّر ومُنصف، ومحبٌّ للخير والسلام) لا يكترث بذلك ولا يستهجنه إلا على نطاق ضيّق وغير مؤثّر !!...

أتفهّم أن تدعم دولة ما حليفتها الاستراتيجية في موقف أو آخر، وفي قضية أو أخرى، ولكن عندما يصل الأمر لأن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية، الداعم الأكبر للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بإصدار هذا العدد من "الفيتو" لدعم دولة تصل جرأة انتهاكاتها لهذه المبادئ إلى حدّ إقامة جدار عازل طوله 703 كم، لتعزل وتحاصر شعباً بأكمله وتحرمه من أبسط حقوقه، بالرغم من أن محكمة العدل الدولية أصدرت رأيا استشاريا في 9  يوليو  2004يقضي بعدم شرعية الجدار، فهو أمر مذهل ويبعث على الحيرة !!

 

إحدى هذه الحقائق المذهلة بالنسبة لي كانت معرفتي بأن وزارة الخارجية الأمريكية كانت عام 1948 تعارض بشدة إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين، لأن ذلك في تقدير وزير الخارجية "جورج مارشال"، ورئيس مكتب "شؤون الشرق الأدنى" NEA)) "لوي هيندرسون" "سيترتب عليه، اندلاع الحرب في الشرق الأوسط، وتدمير علاقات واشنطن بالعالم العربي!". وكانت توصيتهما للبيت الأبيض بأن المنطقة يجب أن تظل تحت انتداب الأمم المتحدة... وبحسب الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" فإن الوزير مارشال (الذي سُمّي باسمه "برنامج ماريشال" الشهير) كان يرى أن الاعتراف بالدولة اليهودية من قِبل الرئيس ترومان كان خطوة سياسية لكسب التأييد اليهودي في الانتخابات المقبلة، والتي كان من المتوقع أن يخسرها ترومان أمام خصمه المرشح الجمهوري وحاكم ولاية نيويورك الأكثر حظاً، "توماس إدموند ديوي". وبحسب ذات المصدر فإن مارشال قال للرئيس ترومان في مايو 1948، "إذا (اعترفتَ بدولة إسرائيل) فإني سأصوت ضدك في الانتخابات"!!!

وبالفعل اعترف الرئيس ترومان بدولة إسرائيل، وفاز في انتخابات نوفمبر 1948، ضد جميع المعطيات والتوقعات، فيما تُجمع المصادر على أنها كانت واحدة من أعظم النتائج غرابة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية!!! وقدّم جورج مارشال استقالته من منصبه في يناير 1949، ليعود كوزيرٍ للدفاع في سبتمبر 1950 نظراً لحاجة الإدارة الأمريكية إلى وزيرٍ في قدرة وكفاءة جورج مارشال ليصلح أداء الوزارة الضعيف أثناء الحرب الكورية، وإعادة بناء القوات المسلحة واستعادة الثقة والمعنويات لوزارة الدفاع.

 

أما رئيس مكتب "شؤون الشرق الأدنى" لوي هيندرسون، الذي شغل هذا المنصب منذ سنة 1945، ومثّل بلاده في عدة مناصب رفيعة في أوروبا الغربية والشرقية والشرق الأوسط منذ 1922، فقد كان موقفه وتوصياته في هذا الشأن في غاية الوضوح. فبحسب ما نقلته "أليسون وير" [1] عن كتاب دونالد نِفّ "الركائز الساقطة: السياسة الأمريكية تجاه فلسطين وإسرائيل، 1947-1994"، الصادر في يناير 1995، أنه يرى أن "مقترحات التقسيم هي مخالفة قاطعة لمختلف المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك للمبادئ التي تقوم عليها المفاهيم الأمريكية للحكومة". وأن هذه المقترحات "تتجاهل -على سبيل المثال- مبادئ مثل حق تقرير المصير وحكم الأغلبية". ويضيف هيندرسون القول "إنهم يعترفون بمبدأ دولة ثيوقراطية عنصرية ويذهبون إلى حد بعيد في عدة حالات إلى التمييز على أساس الدين". وأن الولايات المتحدة الأمريكية ستخسر مكانتها الأخلاقية في الشرقين الأدنى والأوسط، بل ومن المرجح أن "يتم اعتبارنا خائنين للمبادئ السامية التي أعلناها بأنفسنا خلال الحرب العالمية الثانية".(انتهى الاقتباس).

هذا الموقف الصارم للدبلوماسي المخضرم لوي هيندرسون، الذي يقدّم فيه مصلحة بلاده (أمريكا) على أية جهة أخرى عرّضه لمضايقات شديدة، واتهامات بمعاداة السامية من قِبَل الجماعات الموالية للصهيونية، وصلت إلى حد تهديد عائلته، والمطالبة باستقالته، فيما وصفه أحد المحللين بأنه "لعبة الكراسي الموسيقية التاريخية حيث تمت إزاحة المسؤولين الذين أوصوا بسياسات الشرق الأوسط المتوافقة مع مصالح الأمة"..

وبالفعل فقد تم نقل هيندرسون من منصبه ليرسله الرئيس ترومان، تحت ضغوطات الجماعات الصهيونية، إلى منحدرات جبال الهيمالايا، كسفير في نيبال (التي كانت وقتها رسميًا تحت الهند)، ضارباً عرض الحائط برغبة وزارة الخارجية في تعيينه سفيرا في تركيا من أجل الاستفادة من خبرته بشؤون الشرق الأوسط، إرضاءً للمنظمات الصهيونية التي احتجت بأن ذلك سيجعله قريبا من منطقة الشرق الأوسط، وأصرّت على تعيينه سفيرا في الهمالايا إمعاناً في "تأديبه" وليكون عبرة لغيره !!!

وتم لهم ما أرادوا، وانتقل الرجل  في نوفمبر 1948 ليمثل بلاده في تلك المنطقة النائية غير ذات الأهمية في ذلك الوقت. ولم يعُد ليشغل منصباً في وزارة الخارجية يليق بمكانته وخبرته إلا في ديسمبر 1951 عندما عُيّن سفيرا لبلاده في إيران، ثم نائب وكيل وزارة الخارجية للشؤون الإدارية.

وكما هو معلوم فإن مكتب شؤون الشرق الأدنى يُعنَى بشؤون 18 دولة في الشرق الأوسط والمغرب العربي والخليج العربي، ويشمل كذلك إسرائيل وإيران، ويقود السياسة الخارجية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ومنذئذٍ أخذ نفوذ المنظمات الصهيونية في وزارة الخارجية الأمريكية يزداد تمدّدا حتى صارت المكاتب التي تُعنى بشؤون دول منطقة الشرق الأوسط في الوزارة في معظم الأحيان تدار فعليا من قِبَل صهيوني، بحسب الشهادة الشفهية لكبير المتخصصين في السياسة الخارجية الأمريكية "إدوين رايت"، الذي تقلد مناصب عديدة في وزارة الخارجية منذ سنة 1945، ثم مستشارا في الاستخبارات ما بين 1950 إلى 1955. والشهادة محفوظة بالكامل مع مقدمة في غاية الأهمية في مكتبة الرئيس ترومان في "ووستر أوهايو"، ويمكن الاطلاع عليها، بكل سهولة في موقع المكتبة على شبكة الانترنت بمجرد إدخال اسم الرجل واسم المكتبة في محرك جوجل.. وتحتوي هذه الشهادة توثيقاً هاماً لأحداث في غاية الخطورة من معاصر لها وشاهد عليها عندما عمل مع لوي هيندرسون في الفترة التي سبقت تأسيس اسرائيل، جعلته عُرضة لهجمات شرسة من المنظمات الصهيونية التي كانت قد أحكمت سيطرتها على البيت الأبيض ممثلا في رئيسه هاري ترومان، وهو ما سأعود للكتابة عنه لاحقاً بعد أن توفّر لديّ كمّ هائل من المعلومات في هذا الموضوع، وكذلك في موضوع "الصهيونية المسيحية" ودورها في السياسة الأمريكية وتلاقي رؤيتها ومصلحتها مع مصلحة الصهيونية -السياسية- اليهودية، وتوظيف الأخيرة لذلك في الهيمنة الكاملة على الكونجرس الأمريكي، والتي لم تكن تخطر لي ببال.

-----------------

[1] ص 45 من كتاب "ضد حكمنا الأفضل: التاريخ الخفي لكيفية استخدام الولايات المتحدة لإنشاء إسرائيل" الذي سبق وأن قدمت له في أكثر من مناسبة.

كذلك فقد تم استقاء بعض المعلومات الواردة في هذا المقال من موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الانترنت.

 

 

 
 

 
 

(6  من  6)

الصهيونية المسيحية

(جعلَت من دعم إسرائيل عبادة يُتقرّب بها إلى الله !!!)

هشام بن غلبون

أبريل 2021

 

 

بدأتُ كتابة هذا الموضوع كمقال لأختم به سلسلة المقالات التي كتبتها مؤخرا عن موضوع الصهيونية، ولكن أهمية (وخطورة) ما وجدته من معلومات أثناء القراءة حفّزني للتوسع ... فتحوّلت المحاولة إلى بحث مركّز

 

لا يمكن فهم العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فهما صحيحاً شافياً بدون الإحاطة بموضوع "الصهيونية المسيحية"؛ العقيدة الدينية التي يعتنقها كثير من المسيحيين البروتستانت "الإنجيليين"، الذين يشكلون أكبر فئة دينية مستقلة في أمريكا، تقدّر بأكثر من 25 % من تعداد السكان ، وذلك بحسب دراسة تعود لمركز بيو “PEW” للأبحاث لعام 2014. أي ما يعادل أكثر من 82 مليون نسمة ... وبلغة الأصوات الانتخابية فهم يشكلون ربع الناخبين الأمريكيين عدداً، ويمنحون أصواتهم -وتبرعاتهم المالية- بطريقة منظمة للمرشح الذي يتوافق معهم فكرياً وعقائدياً، أو يضمن لهم تحقيق أهدافهم وتطبيق مطالبهم، سواءً في الانتخابات الرئاسية، أو الانتخابات لأحد المجلسين (الشيوخ أو النواب) في الكونجرس، أو حتى الانتخابات المحلية لمناصب مثل عمدة المدينة أو حاكم الولاية، وغيرها من المناصب. وعلى سبيل المثال فقد صوتوا بنسبة 78% لصالح الرئيس جورج بوش (المتوافق معهم عقائدياً) في الانتخابات الرئاسية لسنة 2004، وشكل ذلك حوالي 40% من إجمالي أصواته[i].   وصوتوا بنسبة 81% لصالح دونالد ترمب ( اللاديني والمتوافق معهم مصلحيّاً فقط) في الانتخابات التي فاز فيها سنة 2016  ولها ينتمي عدد من رؤساء أمريكا السابقين أمثال جورج بوش (الأب والابن)، ورونالد ريجان، وجيمي كارتر، وهاري ترومان، ووُدْرو ويلسون وكثير غيرهم.

 

ولكن قبل أن أتوسّع قليلا في هذا الموضوع ينبغي التنبيه إلى وجوب التحرر من الخلط بينها وبين "الصهيونية اليهودية"، التي هي حركة سياسية استثمرت المفاهيم الإنجيلية في أمريكا منذ بداية القرن الماضي لخدمة أغراض سياسية مختلفة إلى حدٍ كبير عن مبادئ الصهيونية المسيحية الدينية الصرفة.

 

وحتى لا أغرق في المصادر التاريخية الغنية بالمعلومات والحقائق فيتحول هذا البحث إلى دراسة تاريخية، فسأحاول أن أقدّم -باختصار شديد- نبذة عن كل منهما، وأنتهي إلى أن الانحياز الكامل -لحد تأييد الظلم- الذي تنتهجه الولايات المتحدة لصالح إسرائيل في فلسطين هو نتيجة لتنامى النفوذ السياسي للإنجيليين في أمريكا، وسلطتهم القوية في السياسة الخارجية للدولة...

 

 *******

 

يقول نعومي تشومسكي، عالم اللغة والفيلسوف والعالم المعرفي والمؤرخ والناقد الاجتماعي والناشط السياسي الأمريكي (اليهودي)، المعروف بآرائه المناهضة لإسرائيل وانتقاداته الحادّة والصريحة لسياساتها التي يصفها بالاستعمارية، وبرفضه لفكرة الأساس الديني الذي تقوم عليه دولة إسرائيل، يقول ان "المسيحية الصهيونية قوة جبارة تعود إلى ما قبل الصهيونية اليهودية بوقت طويل، في إنجلترا على وجه الخصوص"..... وأن "المسيحية الصهيونية كانت سلطة قوية بين النخب البريطانية، وأنها كانت جزءً من الدافع وراء وعد بلفور"....  ويضيف بأن "كثير من الرؤساء الأمريكيين، على عقيدة ثابتة بأن عودة اليهود إلى فلسطين هي أعظم حدث في التاريخ  [ii].... وإضافة إلى ما قاله البروفيسور تشومسكي في هذه الجزئية نشير هنا إلى أن ظهور الصهيونية المسيحية، التي تربط "مجيء المسيح الثاني" بإقامة دولة يهودية في فلسطين، يعود إلى القرن السابع عشر في إنجلترا على يد حركة الطهوريين "البيوريتان"، حيث تعالت الأصوات المسيحية عام 1615 بمطالبة الحكومة البريطانية آنذاك بدعم اليهود "ليرجعوا إلى أرض الميعاد تحقيقاً لنبوءات الكتاب المقدس"، وهو ما تحول إلى عقيدة لدى أوليفر كرومويل نفسه (الشخصية المركزية في التاريخ البريطاني) والذي شغل منصب رئيس "المحفل البيوريتاني" بين عامي 1649 و 1659 ، الذي نادى بوجوب توطين اليهود في الأراضي المقدسة في فلسطين. .... وقد تعمّدت الاستهلال بالنقل عن هذه الشخصية ذات المصداقية غير المتنازع عليها لأكفي نفسي والقارئ الاستدلال بفقرات طويلة من مراجع تاريخية كثيرة تخلص إلى هذا الاستنتاج.

 

التسمية

 

كما هو معروف فإن كلمة صهيون التي منها اشتُق الاسم، والتي تعني "الحصن"، تشير إلى أماكن متعددة في "العهد القديم" من الكتاب المقدس[iii]، فهي تشير إلى واحد من التلّين الذَين كانت تقوم عليهما مدينة "أورشليم" (القدس القديمة)، المعروف بجبل صهيون، وقتما كان يسكنها اليبوسيون الكنعانيون، قبل أن يؤسس فيها نبي الله داوود عليه السلام عاصمة ملكه بعد وقوعها في أيدي العبرانيين ... وتشير في مواضع أخرى في ذات المصدر إلى أورشليم بمجملها. فعلى سبيل المثال ورد في الإصحاح الحادي عشر من سِفر "أخبار الأيام الأول":  (( [4] وذهب داود وكل اسرائيل الى اورشليم، اي يبوس، وهناك اليبوسيون سكان الارض. [5]  وقال سكان يبوس لداود لا تدخل الى هنا فأخذ داود حصن صهيون. هي مدينة داود)).

وقد تكررت الكلمة 153 مرة في ذات المصدر.... بينما ذكرت في "العهد الجديد" من الكتاب المقدس (الإنجيل) في 7 مواضع فقط، بصيغة "ابنة صهيون" في موضعين، وبصيغة "صهيون" في 3 مواضع و "جبل صهيون في موضعين. .... ففي "مَتّى"/ إصحاح رقم 21: (([10] ولما دخل اورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة: من هذا؟ [11]  فقالت الجموع: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل].... وفي "عبرانيون" / إصحاح رقم 12: [22]بل قد اتيتم الى جبل صهيون، والى مدينة الله الحي. اورشليم السماوية، والى ربوات هم محفل ملائكة، [23] وكنيسة ابكار مكتوبين في السماوات، والى الله ديان الجميع، والى ارواح ابرار مكملين، [24] والى وسيط العهد الجديد، يسوع، .)).[iv]

 

ما هي الصهيونية المسيحية ؟

 

توصف الصهيونية المسيحية في ويكيبيديا (الموسوعة الحرة)[v] بأنها : "الاسم الذي يطلق عادة على مُعتقد جماعة من المسيحيين المنحدرين غالباً من الكنائس البروتستانتية الأصولية والتي تؤمن بأن قيام دولة إسرائيل عام 1948 كان ضرورة حتمية لأنها تتمّم نبوءات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وتشكل المقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كمَلكٍ منتصر. ويعتقد الصهاينة المسيحيون أنه من واجبهم الدفاع عن الشعب اليهودي بشكل عام وعن الدولة العبرية بشكل خاص، ويعارضون أي نقد أو معارضة لإسرائيل خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يشكلون جزءاً من اللوبي المؤيد لإسرائيل.".[انتهى النقل عن ويكيبيديا].. ...وُتعرّف كذلك بأنها المسيحية التي تدعم الصهيونية، ويطلق على من ينتمون إليها كذلك اسم "المسيحيون المتصهينون"، الذين تمثّل فكرة عودة اليهود إلى فلسطين حجر الأساس في معتقداتهم، وأن أرض فلسطين التاريخية هي ملك أبدي للشعب اليهودي، مستندين في ذلك على تفسير حرفي لنصوص في الكتاب المقدس، منها على سبيل المثال ما ورد في الإصحاح رقم [13] من "سِفر التكوين" في العهد القديم :(( [14] وقال الرب لأبرام، بعد اعتزال لوط عنه: ارفع عينيك وانظر من الموضع الذي انت فيه شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، [15] لان جميع الارض التي انت ترى لك اعطيها ولنسلك الى الأبد )) ...، وما ورد في الإصحاح رقم 26  والخطاب للنبي إسحاق عليه السلام: (([1] وكان في الارض جوع غير الجوع الاول الذي كان في ايام ابراهيم، فذهب اسحاق الى ابيمالك ملك الفلسطينيين، الى جرار [2] وظهر له الرب وقال: لا تنزل الى مصر. اسكن في الارض التي اقول لك[3] تغرب في هذه الارض فأكون معك وأباركك، لأني لك ولنسلك اعطي جميع هذه البلاد، وأفي بالقسم الذي أقسمت لإبراهيم ابيك. [4] وأكثر نسلك كنجوم السماء، واعطي نسلك جميع هذه البلاد، وتتبارك في نسلك جميع امم الأرض ..))...(انتهى النقل عن الكتاب المقدس).

 

وقد دخل هذا المعتقد إلى الولايات المتحدة مع المهاجرين الأوروبيين ذوي العقيدة البروتستانتية الأصولية منذ بدايات القرن السابع عشر، ولعب دورا كبيرا في تشكيل هوية الدولة الناشئة. وترجع جذور هذا المعتقد إلى نزعة دينية تعود إلى القرن الأول للمسيحية تسمى النزعة "الألفية" [vi] (Millennialism) نشأت في أوساط المسيحيين من أصل يهودي، جوهرها الاعتقاد بأن المسيح سيعود إلى هذا العالم محاطا بالقديسين ليملك في الأرض ألف سنة. وقد عمل معتنقو هذه العقيدة على تهيئة الظروف لعودة الشعب اليهودي إلى "أرضه الموعودة" في فلسطين تمهيداً للعودة الثانية للمسيح وتأسيسه "مملكة الألف الثاني".

 

نفوذ الصهيونية المسيحية في أمريكا، وتأثيرها في السياسة الخارجية للدولة

 

إن الاعتقاد السائد بأن "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" (أيْباك، AIPAC  ) هي الداعم الأكبر لإسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية، والراعي الأكثر تأثيرا لمصالحها، اعتقاد يحتاج إلى مراجعة وتصحيح بالرغم من كونها أقوى جمعيات الضغط (اللوبي) على أعضاء الكونجرس الأمريكي، والتي يسعى أعضاء المجلسين (نواباً وشيوخاً) إلى إرضائها وتجنّب سخَطها.

ذلك أن المتابع لتطورات التنامي المضطرد لتيار اليمين المسيحي المحافظ في أمريكا عبر الخمسة عقود الماضية سيرى بوضوح أن الصهيونية المسيحية هي في الواقع القوة الحقيقية التي تضع مصلحة إسرائيل فوق كل اعتبار آخر، وتعمل بشتى السُبُل والوسائل لضمان سيطرتها الكاملة على فلسطين، ليس بدافع التقاء المصالح السياسية أو المنفعة الاقتصادية أو ما شابه ذلك من اعتبارات تتفاوت بحسب الظروف والمتغيرات -ويمكن المساومة فيها- بل بدافع قناعات عقائدية راسخة بأن ذلك حق وهبه الله لها، ومن أجل تحقيق نبوءات وردت في الكتاب المقدس. فقد نشر مركز "بيو" للأبحاث الأمريكي على موقعه على الإنترنت استبياناً يوضح أن المسيحيين الإنجيليين في أمريكا هم أكثر دعمًا لإسرائيل من اليهود الأمريكيين!! وبمزيد من التفصيل فإن الاستبيان أظهر أن 55% من المسيحيين أجابوا بنعم على سؤال عما إذا كان الله قد أعطى إسرائيل (فلسطين) للشعب اليهودي، بينما أجاب 40% فقط من اليهود الأمريكيين بنعم على نفس السؤال!!! أما الإنجيلون البيض فإنهم أجابوا بنسبة (82٪) بنعم، ولا يضاهيهم في ذلك إلا اليهود الأرثودوكس والذين تصل نسبتهم إلى 84% !!![vii]

وقد تجلت مظاهر ذلك بقوة في تحقيقها لحلُم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ المخالف لسياسة أمريكا منذ تأسيس إسرائيل، والتي التزمت بها جميع الإدارات التي سبقت إدارة الرئيس دونالد ترمب الحائز على رضاها ودعمها. وكما هو معروف فإن العنصرين الأساسيين في تلك الصفقة هما نائبه مايك بينس، ووزير خارجيته مايك بومبيو، المعروفان بشدة انتمائهما إلى الصهيونية المسيحية، فينسب إلى الأول قوله في تصريحات علنية :أدلى بها في مارس 2019 أثناء حضوره لمؤتمر "المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل" قال فيها: "إن النظر إلى إسرائيل هو رؤية أن إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب يفي بوعوده".(وهو يشير هنا إلى ما ورد في الإصحاح الثامن والعشرون من سِفر التكوين الذي يرد فيه أن الرب خاطب يعقوب قائلا : "انا الرب إله ابراهيم ابيك واله اسحاق. الارض التي انت مضطجع عليها اعطيها لك ولنسلك").[viii].. ثم زاد بينس قائلا "مثلكم جميعًا، ينبع شغفي بإسرائيل من إيماني المسيحي، فقد كانت أناشيد الأرض وشعب إسرائيل ترانيم شبابي. أما أنا وبيتي، فإننا نصلي من أجل سلام القدس وكل من يسمونها موطنهم... إنه حقًا أعظم امتياز في حياتي أن أخدم كنائب لرئيس يهتم بشدة بحليفتنا العزيزة! " ....وينسب إلى الثاني قوله في مقابلة تلفزيونية عقب زيارته لحائط المبكى صحبة رئيس الوزراء نتنياهو أن الله ربما أرسل الرئيس ترمب لحماية إسرائيل، مضيفاً بأن دينه هو ما دفعه للإيمان بذلك!! [ix]

أما أكثر التصريحات إثارة للدهشة فهو اعتراف الرئيس ترمب في حديثه أثناء تجمع انتخابي في ولاية ويسكنسن في أغسطس الماضي[x]  بأن قراره بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس كان من أجل الإنجيليين، وزاد قائلاً "الإنجيليون متحمسون لذلك أكثر من الشعب اليهودي.... هذا صحيح حقًا، إنه أمر لا يصدق " !!!

 

وهناك مثال آخر صارخ لا يمكن إغفاله في هذا السياق، هو التطرف الأعمى الذي دفع الرئيس جورج دبليو بوش إلى غزو العراق لأنه "تلقى وحيا من السماء لإعلان الحرب على العراق، لأن يأجوج انبعث في الشرق الأوسط" !!! وأن "نبوءة الكتاب المقدس حول يأجوج ومأجوج (Gog & Magog)بصدد التحقّق هناك" !!! جاءت تصريحات بوش أثناء حديثه الهاتفي مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك عندما كان يسعى إلى إقناعه بانضمام فرنسا إلى التحالف الذي دمّر العراق. وقد أثارت تلك التصريحات العجيبة زوبعة في وسائل الإعلام بعد عدة سنوات من تلك الحرب المدمرة، عقب تسرب تفاصيل مكالمات جورج بوش المتواصلة للرئيس الفرنسي الذي لم يوافق على إقحام بلاده في تلك الحرب المجنونة. [xi]

وقد بينت المصادر في ذلك الوقت أن الرئيس بوش كان يشير إلى ما ورد في الاصحاح رقم 38 من سِفر حزقيال الذي يرد فيه : (( [1]  وكان الي كلام الرب قائلا [2]   يا ابن ادم اجعل وجهك على جوج أرض ماجوج رئيس روش ماشك وطوبال وتنبأ عليه [3] وقل هكذا قال السيد الرب ها أنا ذا عليك يا جوج رئيس روش ماشك وطوبال. [4]  وارجعك وأضع شكائم في فكيك واخرجك انت وكل جيشك ....((.......)) ... [18]  ويكون في ذلك اليوم يوم مجيء جوج على ارض اسرائيل يقول السيد الرب ان غضبي يصعد في انفي. [19]   وفي غيرتي في نار سخطي تكلمت انه في ذلك اليوم يكون رعش عظيم في ارض إسرائيل [20]   فترعش امامي سمك البحر وطيور السماء ووحوش الحقل والدابات التي تدب على الارض وكل الناس الذين على وجه الارض وتندك الجبال وتسقط المعاقل وتسقط كل الاسوار الى الارض.)) ...(انتهى النقل من الكتاب المقدس)

 

السفارة المسيحية الدولية في القدس (ICEJ)

بالإضافة إلى "منظمات اليمين المسيحي" الأمريكية المتعددة وذات النفوذ القوي مثل "اتحاد المسيحيين من أجل إسرائيل"، و"الأصدقاء الأنجليكانيون لإسرائيل"، وكثير غيرها، يذهب بعضها إلى التصريح العلني بمعتقداتهم بأن "الوقوف ضد إسرائيل هو معارضة لله"، ويذهب البعض الآخر إلى الإعلان بأن معارضة إسرائيل أو مصارعتها يُعدّ "تحدياً لإرادة الله"، فإن جماعات الضغط الصهيونية في أمريكا تلعب دورا كبيراً -يصعب حصره أو قياس ضخامة حجمه- في دعم إسرائيل وممارسة الضغط (اللوبي) على كافة المستويات السياسية، والتشريعية، والسياسية لتحقيق مصلحتها والذود عنها. أتناول منها هنا على سبيل المثال منظمة "السفارة المسيحية الدولية في القدس (ICEJ)."، وهي منظمة مسيحية صهيونية تصف نفسها على موقعها الرسمي على الانترنت بأنها تأسست "كاستجابة إنجيلية لضرورة مواساة صهيون وفقًا لأمر الكتاب المقدس الموجود في الإصحاح رقم 40 من سِفر إشعياء. الذي فيه يقول ربكم عَزّوا شعبي وطيبوا قلب اورشليم! [xii]...  وأن من بين الأهداف التي تأسست من أجلها هو : " أن نكون جزءًا من مقاصد الله العظيمة في إعادة اليهود إلى إسرائيل."..... وتعرف "الصهيونية المسيحية" -في ذات الموقع- بأنها "الإيمان بأن أرض كنعان ملكية أبدية للشعب اليهودي".[xiii]... وقد تأسست هذه المنظمة في القسم الغربي من مدينة القدس في شهر سبتمبر 1980، ردا على نقل عدة دول لسفاراتها من القدس إلى تل أبيب، تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 478 الصادر في 20 أغسطس 1980، والذي ينص على عدم شرعية ما أسمته بـ "قانون القدس" الذي سنّه الكنيست الإسرائيلي في شهر يوليو 1980 والذي يشرّع ضم شرق القدس إلى إسرائيل واعتبار القدس الموحدة عاصمة لها، معتبرا أنه يُعدّ خرقاً للقانون الدولي، وطالب قرار مجلس الأمن الدول التي لها سفارات في القدس بإخراج سفاراتها منها.

ويقضي برنامج هذه السفارة بأن يكون لها مركز في كل ولاية في أمريكا، يقوم على رأس كل مركز رجل دين صهيوني مسيحي برتبة قنصل. مهمة هذه المراكز هي تنظيم التجمعات والمظاهرات المؤيدة لإسرائيل، وجمع التبرعات والمساعدات، وتشجيع الشعب الأميركي على شراء السلع والمنتجات الإسرائيلية. .... وتجاوبا مع الضغط الذي مارسته هذه المنظمة أصدر الكونغرس الأمريكي في أكتوبر 1995 قانوناً يعترف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، إلا أن هذا القانون يسمح للرئيس الأمريكي بتأجيل تطبيقه كل 6 أشهر، وهذا ما كان يفعله الرؤساء الأمريكان منذ 1995 حتى ديسمبر 2017.

 

لاهوت الازدهار الاقتصادي

 

لم يعُد لاهوت "العودة الثانية للمسيح وتأسيسه مملكة الألف الثاني ... الخ ."... هو المرتكز اللاهوتي الوحيد الذي تستند عليه المسيحية الإنجيلية لتوسيع دائرة نفوذها في أرجاء العالم المسيحي قاطبة، بل أضافت إليه عنصراً يسميه المتابعون لهذه الظاهرة بـ "لاهوت الازدهار الاقتصادي" (prosperity theology)، الذي يُحدث بريقه أصداءً واسعة في أوساط المجتمعات المسيحية في بقاع متفرقة من العالم، أدى إلى تنوّع مكوّناتها البشرية وزيادة أعدادها إلى أضعافهم في الولايات المتحدة. ويرصد المتابعون لهذا التمدد دولا مثل البرازيل والصين وجنوب أفريقيا ونيجيريا وكوريا الجنوبية، وغيرها من المجتمعات -غير البيضاء- التي يمتد فيها زحفها بشكل لافت  [xiv]

وباختصار شديد فإن هذا الأسلوب التبشيري يربط بين الرخاء والازدهار الاقتصادي وبين دعم إسرائيل، وذلك من خلال تفسيرات انتقائيّة لنصوص محددة من الكتاب المقدس تذكر البركة والمباركة والازدهار لمن يقدم الدعم إلى "الأمة العظيمة"، واللعن والبؤس والفقر لمن يعاديها... فقد جاء في الإصحاح الثاني عشر من سِفر التكوين: (([1] وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ : «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. [2] فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. [3] وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ)).وقد فسر المسيحيون الصهيونيون هذه الآيات بأنها تعني وبكل بساطة أن الأمة العظيمة هي ” دولة إسرائيل” وأن بقية الأمم، أو الدول ستنالها البركة، أي الرخاء والازدهار بلغة هذا العصر، من خلال دعمها لإسرائيل، وإن لم تفعل فسيحق عليها ما نُص عليه في الكتاب المقدس من فقر وبؤس ولعن من الله.

وتفادياً للإطالة ومن أجل توصيل جوهر ما يعِدُون به عن طريق هذا الأسلوب سأكتفي بعبارة تنسب إلى الإنجيلية ” باولا وايت Paula White ” " مستشارة الرئيس ترامب للشؤون الروحية"، قالت فيها لأتباعها: ” إن الله سيفتح أبواب الرخاء المالي والفرص والحظوة والمعجزات فوق الطبيعية" لمعتنقي عقائدها [xv]!!. ولمن لا يعرف القس باولا وايت فهي رئيسة "المجلس الاستشاري الإنجيلي"، التي تقول عن نفسها في موقعها الرسمي: "لقد قادني إيماني وقناعاتي الراسخة إلى الوقوف إلى جانب إسرائيل ودعمها بكل طريقة ممكنة"، وإني "أفتخر بتأييدي لإسرائيل والشعب اليهودي "... وقد استحقت القس باولا وايت نتيجة لهذا الحماس والتأييد بلا حدود صفة "واحدة من أفضل 50 متحالفاً مسيحياً مع إسرائيل" من قِبل "كتلة الحلفاء المسيحيين في الكنيست الإسرائيلي". وهو ما تفتخر بنشره في مكان بارز على صفحتها الرسمية[xvi].

 

*******

 الصهيونية اليهودية

 

على النقيض من "الصهيونية المسيحية" فإن الصهيونية اليهودية هي حركة -سياسية- ظهرت في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر لحثّ اليهود على الهجرة إلى أرض فلسطين بدعوى أنها أرض الآباء والأجداد (إيريتس يتسرائيل)، ودعت اليهود في الشتات إلى رفض الاندماج في المجتمعات التي يقيمون بين ظهرانيها من أجل التحرر من معاداة السامية التي بدأت تكشر عن أنيابها في القارة الأوروبية حينئذ ؛ والنجاة من الاضطهاد والقهر الذي وقع عليهم فيها، والذي بلغ ذروة وحشيته على يد هتلر وشياطينه في ألمانيا النازية في صفحة مخزية من تاريخ البشرية الحديث يخجل منها إبليس نفسه، ثم تطورت إلى المطالبة بإنشاء دولة لليهود في فلسطين عقب مؤتمرها الأول الذي عقد في أغسطس 1897 بمدينة بازل السويسرية، برئاسة "أب الصهيونية السياسية الحديثة" ثيودور هرتزل [xvii]  والذي صار يُعرّف رسميًا في إسرائيل باسم "الأب الروحي للدولة اليهودية"، والذي حدد في خطاب الافتتاح أن هدف المؤتمر هو وضع حجر الأساس لوطن قومي لليهود، ليتم منذئذ تطبيق الصهيونية بشكل عملي على فلسطين من خلال "الصهيونية الاستيطانية"، وهي التي تعمل على تجميع اليهود من شتى بقاع العالم وتوطينهم في فلسطين، وكذلك "الصهيونية التدعيمية" التي تهدف إلى تجنيد يهود العالم في أوطانهم المختلفة في جماعات ضغط تعمل من أجل الاستيطان والمستوطنين وجباية العون المالي من يهود الشتات، ويتحرك الفريقان ضمن إطار تنظيمي واحد، هو "المنظمة الصهيونية العالمية"، وذراعها التنفيذي "الوكالة اليهودية" الذي لعبت من خلاله الدور الرئيس في الحصول على "وعد بلفور" سنة 1917.

 

وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 نوفمبر 1975 القرار رقم 3379، الذي يقضي بأن "الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري" ، وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية التي تشكل - حسب القرار - خطرًا على الأمن والسلم العالمي...  لكن الدبلوماسية الإسرائيلية نجحت في إلغاء هذا القرار سنة 1991 بعد أن جعلت إلغاءه شرطاً لمشاركة إسرائيل في مؤتمر مدريد للسلام.!!!

 

وكما بدأت هذا البحث بقول للبروفيسور اليهودي المرموق نعومي تشومسكي، فإني أختمه بقول المؤرخ الإسرائيلي البارز البروفيسور "إيلان بابيه"، الناشط الاشتراكي والأستاذ بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكسيتر بالمملكة المتحدة، ومدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية بالجامعة، عن الصهيونية اليهودية الذي يقول فيه:  ((غالبية الصهاينة لا يؤمنون بالله، ولكنهم يعتقدون بأن الله وعدهم بفلسطين !)) [xviii].

 

 

[iv] المصدر السابق (موقع الكتاب المقدس)

[vi] Millennialism (الموسوعة البريطانية بريتانيكا)   

[viii] Mike Pence to CUFI: I Support Israel Because I Am a Christian (موقع المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل )  

[ix] Pompeo says God may have sent Trump to save Israel from Iran(موقع بي بي سي)     

[xi] Bush, Gog and Magog   (صحيفة الجارديان)

[xiv] The New Christian Zionism       (الصهيونية المسيحية الجديدة)  

[xv] المصدر السابق

[xvi] Israel Allies Foundation honors Paula White Cain (الموقع الرسمي لبولا وايت)   

[xvii] https://mfa.gov.il/MFA/AboutIsrael/History/Zionism/Pages/Herzl%20and%20Zionism.aspx  (موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية)    

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 
 
           
 
 
 
 
 

 

     
     

 

 

 

دستور ليبيا

 

 

 
 

Copyright © 1999 LCU. All rights reserved.
Revised: April 14, 2023 .